وساط جيلالي - الجد والحفيد.. قصة قصيرة

حميد و جده يقطنان بالبيت الصّغير الذي يقع في آخر الحي ، يتكون من غرفتين ، غرفة الجد و غرفة الحفيد ، و المطبخ الذي لم يَعُدْ يُستعمل، والمرحاض الضيق أمامَهُ برميل الماء و السطل الصّغير ٠
الجد متقاعد تجاوز السبعين ، لكنه لا يزال قويا و نشيطاً ، يرفو الملابس العتيقة ، و يُصلح الأحذية المهترئة، و يصعد راكِباً على درّاجته الهوائية العقبة التي تفصل السّوق عن البيت دون أن يترَجّل ٠
الحفيد حميد في الثلاثين، نحيف، طيب، يُحِبّ الحياة، يعمل هنا وهناك، وبصفة متقطعة بفرّان الحي.
رغم أنهما يعيشان في نفس البيت فإنهما يعيشان حياتين منفصلتين غالب الوقت، كل واحد له قنينة غاز وأدوات طبخ ويطبخ في غرفته، أحيانا نادرة يجلسان على الكنبة القديمة بفناء الدّار متجاورين ويتبادلان بعض الكلمات.
يوم الجمعة لا يذهب حميد إلى الفرّان ، يكون لديه عمل أهم ، يحرس سيّارات و دراجات الذين يأتون لصلاة الجمعة بالمسجد الكبير ، و عندما تنتهي الصلاة و يُغادرون ، يصعد المنحدر في اتجاه البيت ، يتوقف بين الفينة والأخرى ليعُدَّ ما حصل عليه من نقود ، و عندما يُصْبِحُ على مشارف الحي ، تبدو له أمينة تحت شجرة الكاليبتوس و هي تنتظر قدومه.
أمينة تسكن وحيدة منذ وفاة زوجها ، في غرفة بنفس الحي ، تُقابل بيت الجد و الحفيد ، تعمل في البيوت، تقترب من الأربعين ، متوسطة الجمال ، لها شعر أسود جميل و عينان بنيتان
عندما يصل حميد إلى جانب أمينة يتوقف و يحييها و ترد التحية ، و يعْطيها المبلغ الذي يكون قد أعده وهو في الطريق ، و يسألها :
- متى تأتين ؟
تجيب :
- مباشرة بعد الغروب
يَقول :
- سأجلب الخمر و السّجائر، وسأعد العشاء، الباب سأتركه ُ موارباً
عندما يشربان الكؤوس الأولى و ينتشيان ، تُنادي أمينة على الجد الذي يكون وحيداً بغرفته ، رغم أن حميد يتظاهر بالاِعتراض:
- بّا بوشعيب، تعال اجلس معنا٠
يحضر الجد ، يجلس و يتفادى في البداية النظر إلى حفيده ، يحيي أمينة ويسألها عن أخبارها ثم يبدأ في ممازحتها، تمد له كأسا فيلتفت حفيده إلى النّاحية الأخرى كأنه لا يرى ، لكن بعد برهة يختفي الحرج، تدير أمينة الكأس بينهم ، فيبدأ الجد في رواية حكايات مغامراته مع النساء اللواتي عرفهن في مراحل حياته وسط ضحك الجميع ، وبين الحين والآخر يُخاطب حفيده:
- جدتك كانت أجملهن جميعاً٠
وعندما تسري الخمر في عروق الشيخ، يذهب إلى غرفته، ثم يعود حاملا كيسا من ثوب، يفتحه، ويُخرج آلة لُوطار، يمسح عليها بحنو، ينقر في البداية نقرات متقطعة، ثم يأخذ اللحن في الاِكتمال، تمسك أمينة صِحْنًا وتدُقّ عليه وفْقَ نفس الإيقاع، يُصاحبهم حميد بضربات مُوَقّعة على المائدة، ويبدأون في الغناء..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى