محمد وليد قرين - هل الحياة فعلًا أحلى مع كوكاكولا؟.. قصة قصيرة

الأصدقاء الثلاثة مجتمعون تحت شمسيّة كبيرة، على شاطئٍ غربَ الجزائر العاصمة. الساعة تشير إلى الثانية زوالًا. الشمس دائرةٌ ملتهبةٌ في السماء. قرّر الأصدقاء أن يستريحوا قليلًا، وأن يتناولوا الغداءَ بعد الغطس. ينشغلون في أكل بيتزا بالخضار، وأمام كلٍّ منهم كأسٌ مليئةٌ بالكوكاكولا. وسطَهم قارورةُ كوكا ضخمة (ليتران)، مكتوبٌ عليها: "شاركْ كوكاكولا مع..." إلى جانبهم قارورةُ ماءٍ بسعة ليتريْن. يتحدّثون عن الفتيات، وعن المسلسلات الأميركيّة الأخيرة التي تتبّعوها، وعن أشياء أخرى متعدّدة. وحدها كوكاكولا ستمكنّهم من تذوّق "طعم اللحظة."(1)

سامي: مساعد مدير المبيعات في شركة سيّاراتٍ أجنبية. يسكن في فيلا في الشراقة.

وائل: متعامل تجاريّ في شركة أجنبيّة مختصّة في خدمات الهاتف النقّال. يسكن في عمارة في زوج عيون.

رفيق: يعمل في شركة عائليّة خاصّة لطباعة الشاشة الحريريّة. يسكن في عمارة في تيليملي.

وكان الثلاثة قد اشتروا البيتزا وقارورةَ الكوكاكولا من مطعمٍ للأكل السريع، يملكه ملتحٍ أربعينيّ يجلس على إحدى الطاولات وينكبّ على قراءة الكتاب المقدّس. الكوكاكولا بالنسبة إلى ذلك الرجل سلعةٌ يجني منها أرباحًا مرتفعة، ولا يهمّه أنّها رمزٌ لدولةٍ تعمل على إخضاع كلّ دول العالم لهيمنتها ـــ ـــ تارةً تحت عنوان "مكافحة الإرهاب،" وطورًا تحت عنوان "نشر الديمقراطيّة."

***

لنعد الآن إلى الأصدقاء الثلاثة. أيفكرّون في السياسة العدوانيّة الأمريكيّة؟ في سعي كوكاكولا إلى أمركة مجتمعنا لكي يعتنق ديانة الرأسماليّة؟

كلّا؛ فهم مشغولون بـ"تذوّق اللحظة" مع كوكاكولا.

انتهى الأصدقاءُ من أكل البيتزا، و"تذوّقوا اللحظة،" بل لحظاتٍ من...؟ السعادة؟

كلّا! فبحسب أطبّاء التغذية، يقابل هذا الليترَ21 قطعةً من السكّر ــــ ــــ وهو ما يسبِّب السمنةَ المفرطة مع مرور الوقت، ويزيد من خطر الإصابة بمرض السكّريّ.(2) أضف إلى ذلك أنّ الملوِّن الغذائيّ للكوكا يحتوي مادّتيْن سامّتيْن،(3) ومن المحتمل أن يعرِّض تناولَها المستهلِكَ للإصابة بأمراض سرطانيّة.(4)

غير أنّ الأصدقاء لا يهتمّون بهذه المخاطر المحتملة. فالكوكاكولا شريكتُهم في السعادة، ويجب أن تَحضر كلّما رغبوا في أن يكونوا سعداء. ولقد اعتادوا منذ صغرهم رؤيةَ الكوكاكولا في كلّ مكان: في المقهى، على شاشات التلفزيون، في الشارع،...

***

في الصورة: قاطعوا "الأبارتهايد الاسرائيلي"(الفصل العنصري)، قاطعوا كوكاكولا !!

إنّها الرابعة والنصف. حان الوقت لكي يعود الأصدقاء الثلاثة إلى العوْم، بعدما التقطوا بعضَ صور السيلفي، التي نشرها سامي على صفحته في الفيسبوك.

كان البحر غاصًّا بالناس. أغلبيّتُهم شبّانٌ "تذوّقوا اللحظة" هم أيضًا وشفوا غليلَهم. لكن الأرجح أنّ هؤلاء لا يدركون أنّ مصانعَ كوكاكولا تمتصّ المياهَ الجوفيّة في غير مكانٍ من العالم، ما ألحق أضرارًا جسيمةً بآبار الفلّاحين، ومن ثمّ بعيشهم، كما حصل في سوازيلاند (أفريقيا) وراجستان وأوتار براديش (الهند).(5) وهم لا يكترثون أيضًا، إنْ كانوا على علمٍ أصلاً، بأنّ كوكاكولا في كولومبيا استأجرتْ مسلّحين لقتل قادةٍ نقابيّين طالبوا برفع الأجور. ولا يأبهون لواقعةِ أنّ الشركة ذاتها متّهمة بتشغيل أطفالٍ دون السنّ القانونيّة في السلفادور.(6) والجدير ذكره، أن كوكا كولا تستثمر كثيرًا في الكيان الصهيوني، وتبني مصانع كبيرةً على أنقاض بلدات فلسطينيّة منكوبة، وتمتلك تحديدًا مصنعًا في مستوطنة في الجولان السوري المحتل، وترعى نشاطات رياضيّةً وفنيةّ إسرائيليّة، وتَدعم برامجَ إاعادة توطين "اللاجئين" (اليهود طبعًا!) على حساب السكان الفلسطنيين الأصليين .(7)

***

إنّها السابعة وخمسون دقيقة. عاد الأصدقاء الثلاثة إلى شمسيّتهم بعدما استمتعوا بالحديث مع شابّتيْن التقوْا بهما على الشاطئ: حنان وأحلام. كان العطش قد نال منهم، فأنهوْا ما تبقّى من الكوكاكولا. أي إنّهم تناولوا، في النهاية، 42 قطعة سكّر!

***

أوشكت الشمسُ على الغروب. حان وقتُ السيلفي مع الأحباب قبالةَ الشمس الغاربة، إذ لا تصحّ مغادرةُ الشاطئ من دون إخبار مئات الأصدقاء على الفيسبوك "أنّنا استمتعنا بيومنا على البحر حتى غروب الشمس." والسعادة ستكون ناقصةً إذا لم تُعرضْ على جماهير مواقع التواصل الاجتماعيّ.

شعر وائل أنّه يُعجِب حنان؛ فلقد أعطته اسمَها على الفايسبوك. وائل ميّت بالسعادة. إنّه يفكّر من الآن في لقائهما القادم (سيكونان وحدهما). وسيكون لقاءً يستمتعان فيه بـ"اللحظة." وسيحرص وائل على أن يُحْضر معه قارورةَ كوكاكولا وقد كُتب عليها: "كوكاكولا أحلى مع حنان."

الجزائر


(1)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى