أحمد فضل شبلول - القصر

أصرَّ عبدالهادي شعلان على أن يعزمني معه على كوب شاي. كنا في الطابق الرابع من طوابق قصر التذوق سيدي جابر.

وضعت نوال أمامنا كوبي الشاي، كان أحد الكوبين بيد، والآخر بغير يد، قرَّبت الكوب الذي بيد مني، وأخذنا نتحدث عن آخر قصة كتبها شعلان، وأنا أنظر مليا لكوب الشاي الذي تتصاعد منه الأبخرة محلقة في سماء الدور الرابع.

أخذ شعلان عدة رشفات من كوبه، وهو يبتسم لثنائي على القصة وأحداثها وشخوصها، وبعد الرشفة الأولى من كوبي، سمعنا صوت انفجار هائلا في الشارع الخلفي لقصر الثقافة المحصور بين شريط الترام ومستشفى سيدي جابر للقوات المسلحة.

اهتزت أركان القصر، وتجمهر العاملون والرواد، ونصحنا عمَّال القصر بعدم استخدام المصعد الكهربائي، فهرولت إلى السلالم الجانبية.

أثناء قفزي إلى الدور الثاني الذي به المرسم وسط زحام الهاربين، رأيت طفلة صغيرة في غاية الحسن والجمال، واقفة ترتجف وتبكي وبيدها ريشة رسم، فحملتها سريعا على كتفي وأنا أقفز السلالم، إلى أن وصلت الى الدور الأرضي.

مدت الطفلة يدها إلى جيبي عندما لاحظت تضخمه لتمسك بشيء ما يحافظ على توازنها، وإذا بها تخرج كوب الشاي متشبثة بيده، لم أستطع التفكير كيف دخل هذا الكوب في جيب الجاكيت وأنا أهرول من الدور الرابع.

عند خروجي من بوابة القصر المواجهة لمسجد سيدي جابر، لمحت شعلان واقفا يرتجف ولا يزال كوب الشاي في يده.

عدوت إليه وعلى كتفي لم تزل الطفلة الجميلة بريشتها الرفيعة.

بعد أن أنزلتها بسلام على رصيف المسجد، وسط صيحات وابتهالات وتكبيرات الواقفين والجالسين على المقاهي المنتشرة بالمنطقة، أخذ مبنى قصر الثقافة ينهار ببطء أمام أعيننا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى