علي حزين - نزوَة.. قصة قصيرة

ابتسمت له وهي تغلق الدار .. تسمر في مكانه .. جلس يفكر .. حدثته نفسه بأشياء كثيرة .. أدار بينه وبين نفسه حواراً طويلاً جداً .. عرض رأيه , والرأي الآخر .. افترض أشياء .. ثم اعترض عليها.. وافق .. رفض.. ثم علل , وحلل .. ما رأى .. وما مرَّ .. وما حدث منذ قليَل .. ولما احتدم الجدل بينه وبين نفسه .. وأضناه الأخذ والرد .. سكت .. وأنهى النقاش .. برهة .. تسرب من الداخل شعاع خافت .. قسم رأسه نصفين .. هزّ رأسه .. فتساقطت أفكاره .. شياطين صغيرة تثب أمامه فوق الأرض .. تكبر بقعة الضوء الواقعة من وراء الشيش .. فتظهر واضحة أمامه .. دقق بعينيه وجحظ .. سحب لسانه بشفتيه .. شعر بقلبه يخفق .. كحمامة مذبوحة في صدره .. مزج دخان سيجارته بأنفاسه المتلاحقة .. والهواء القارص يلفحه .. وهو متجمد مكانه .. برهة.. رفع رأسه قليلاً .. حملق .. كانت تتجه صوب الدولاب تجمد الدم في عروقه .. فتحت دلفه.. جف ريقه .. ونشف .. مررت يدها البيضاء الملتفة .. بين الفساتين المعلقة الملونة .. أمسكت قميصاً أسود .. تخشب مكانه .. خرط عرقه .. أرتبك .. أبتلع ريقه ألناشف بصعوبة .. وهي تجلس أمام المرآة الضخمة , الفخمة .. تدير نهديها .. النافر ين.. الممتلئين .. بيدها البضة , لتهيجه .. أنتفض .. احترق .. طفت فوق مخيلته فكرة مجنونة .. سيطرت عليه تماما .. وساعة الحائط تشير إلي الوقت..وهي تعزف قطعة موسيقية رائعة.. وأُخري تدق أم رأسه .. تمزقه .. أنتصف الليل .. وهو متصلب مكانه .. فزوجها الليلة خارج الدار , كعادته .. ولا يعود إلا بعد أيام .. فعمله يحتم عليه ذلك .. أدار الأمر في رأسه جيدا .. ولم يفترض في تلك المرة .. أو يعترض .. ففكرته المجنونة الملعونة .. تلح عليه بقوة , مُنذ زمن بعيد .. رسمها في مخيلته جيداً .. هزَّ رأسه .. مطمئناً .. ان خطته محكمة تماماً .. لثم وجهه .. خبأ خنجره في ثيابه.. احتاط وهو يتسلق الجدار بسرعة .. أغلق الشرفة المطلة علي الشارع .. إنبجس ينتظرها .. في زاوية ما .. مرت عليه اللحظات دهورا.. وصوتها يتهادى من الحمام بالغناء.. لينهش أعصابه ككلاب مسعورة .. حبس أنفاسه .. اللاهثة .. وهي تلج الحجرة .. في لين وتؤدة .. وصوتها الناعم الحريري .. يثير كل جوارحه .. أغلق الباب دونها .. فتنبهت لوجوده .. ارتبكت .. ارتعدت .. ابتعدت .. انكمشت في نفسها .. فوثب عليها .. وضع يده علي فمها .. وضغط خنجره في عنقها .. هددها بصوت خافت .. مضطرب أجش .. غير من نبراته .. حتى لا تعرفه .. انتفضت , أوجست خيفة منه .. سكتت , سكنت .. رفع يده ببطء وحذر.. ثم وقف أمامها يلهث .. تزر زرت .. تداخلت في بعضها .. ثم انزوت عند الباب المغلق .. تجمع بعضها المرتجف بين يديها المرتجفة .. انكمشت .. اقترب منها وهو يلهث كالكلب .. وهو يلتهمها بعينين .. واسعتين .. تخرج ناراً من بؤبؤها .. مالت نحو الدولاب المفتوح .. أخرجت علبة مصاغها .. ضربها بيده .. فوقعت علي السرير .. نظر إليها مبعثرة .. مشدوهاً في عته .. فاغراً فاه .. أمسك بيدها بقوة .. ارتبكت .. انتفضت .. توسلت إليه أن يدعها .. ويأخذ كل مصاغها .. حرك رأسه رافضاً .. بكت وهي ترجوه .. نهرها بحدة .. هدهدها.. بين يديه ..تحننت .. انتحبت .. ثمّ سكتت .. مستسلمة لأنفاسه وهي تحرقها حتى النخاع .. أحست بأصابعه كقطع من الجمر .. وهي تمشط جسدها البلوري المتشرب بالحمرة .. وتعبث بشعرها الليلي البهيم .. تأوهت .. أنّت .. قاومت .. دفعته بكل قوة بعيداً عنها .. ففشلت .. ثم انحدرت الدموع ساخنة علي وجنتيها التفاح .. اعترك حتى استسلمت يداها , وبعد شدٍ وجذب .. وعراك مرير .. هوى الخنجر من يده علي الأرض .. ثم امتزجت الأنفاس حامية .. لاهثة .. متلاحقة وقد انقطع البُهر .. وغابا عن الوعي .. حاولت إماطة اللثام عن وجهه .. لكنه رفض .. انتفض .. نهض .. وقبل أن ينصرف .. زغللتْ عينيه قطع الحُلي المتناثر عبأه في جيبه .. وفرّ هرباً .. هبت .. نهضت .. هرولت صرخت , استغاثت .. فأقبل الناس عليها .. من كل اتجاه .. فهالهم ما رأوا .. واقفة لا شيء يسترها .. غير شعرها الطويل .. المبعثر علي كتفيها المرمر .. ونهديها يترجرجان .. وهي تخمش وجهها .. بأظافرها .. تولول , وتلطم .. في صراخ هستيري .. حتى انهارت تماماً .. وسقطت من طولها علي الأرض .. والناس حولها .. يتدافعون .. يزدحمون .. يعتركون .. لكي ينظرون .. امرأة ما , انبرت من بين الحاضرين , حلت شالها الأسمر .. ألقتهُ عليها بسرعة .. وأخري لفتها بملاءتها .. وحملناها إلي داخل الدار .. ومنعن الرجال من الدخول .. ووقف الناس ينظر بعضهم بعضاً .. وهم مندهشون .. حائرون .. ويسألون في جنون ..؟.. عما حدث..........؟!!..
( يقول الراوي )
ولما حضر الزوج ... أخبرته زوجته بأن لصاً... سرق مصاغها .... وهرب ..؟ّ!!
وأما الذي فعل هذا... قضي ثلاثة أعوام خلف القضبان ... وفصل من عمله ... فأصبح عاطلاً ... يتسكع علي الطرقات ... وعلي المقاهي .....؟!!.
وأما المرأة وزوجها ... ... لما كانا لا يستطيعان..... أن يواجها الناس .... باعا البيت ورحلا ... إلي مكان بعيد ... لا يعرفهما فيه أحد ..............؟!!.


******************
على السيد محمد حزين ــ طهطا ــ سوهاج ــ مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى