عدنان كنفاني - الصَهيونية فِكرٌ مُتطرّف..

كانت المواقف الإسلامية في ما يخصّ مدينة القدس تحديداً، وفلسطين والمنطقة عموماً، مواقف مشرّفة من كافّة الديانات، بما فيها الموسوية، فقد حملت لنا كتب التاريخ كمّاً هائلاً من صور المكرُمات العربية الإسلامية منذ الفتوحات الأولى وحتى عهد صلاح الدين، ولكن تأبى الصهيونية المتستّرة وراء قناع اليهودية إلا أن تشوّه التاريخ، وتضع على الأرض بفعل القوّة، مفاهيم جديدة باطلة ومزيّفة هي أبعد ما تكون عن الحقيقة الثابتة بما تأتّى من خلال النبش الأثري والوثائق المكتشفة والمعلنة.

وعلى تهمة الإسلام، يشوّهون صورة الإسلام من خلال دعم المتطرفين والموتورين والقتلة، ويهيّئون لهم سبل الحياة والأمان والاستشفاء والدعم اللوجستي والعسكري الفعلي، والإسلام بريء من كلّ ذلك، فهو دين العدل ودين الرحمة، ودين الأخلاق الكريمة…

يؤجّجون الفتن المذهبية، ويدعمون كلّ الحركات المتطرّفة التي تستهدف الأمة في دينها، وفي عروبتها، ومن نظرة استعلاء لم تكن يوماً خلاصاً للأرواح المهيأة لفعل الخطيئة والانحراف، لكنهم يحسنون تزييفها وفبركتها كي تتماهى مع تطلعاتهم الاستعلائية والاحتلالية.

وهذه بعض أمثلة قد تعبّر عن نظرة اليهود «الصهاينة» العدوانية للديانات الأخرى، بل وللبشر جميعاً، إذ يقول الحاخام مناحيم شنيؤرسن في مقال نشرته صحيفة هآرتس في 16/5/1974 إنّ أصل أرواح الشعوب هو من طبقات النجاسة الثلاث، بينما أصل أرواح بني إسرائيل هو من الروح المقدسة ذاتها .

وما كان على مبتدعي الفكرة الصهيونية إلا التركيز على تلك الإرهاصات وترويجها، بقصد شحن اليهودي بنظرة ثأرية حاقدة ضدّ الأمم، وهذا ما استدعي بالضرورة دعوة اليهود إلى نفض انتماءاتهم الإقليمية ومواطنيتهم في البلاد التي ينتمون إليها أصلاً وتحريضهم على الهجرة إلى فلسطين للانضواء في تركيبة مجتمع عنصري خالص يسعى دائماً إلى التوسّع وطمس آثار وهوية الآخرين دون تفريق.

كما جاء في التوراة سفر العدد «54» وإنْ لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم، يكن الذين تستبقون منهم أشواكاً في عيونكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها ، وفي قصيدة كتبها اليهودي أفرايم سيدوم ونشرت في ملحق صحيفة دافار 15/6/1982 يقول: يا أطفال صيدا وصور، إني أتّهمكم، ألعنكم لأنكم مخرّبون، ستنامون محطّمي العظام في الحقول والطرقات، لا تسألوا لماذا فإنه العقاب، والآن حان عقابُكُم، كلّ النساء في صيدا وصور، كلّ الأمهات، كلّ الحوامل، كلّ المسنّين وكلّ الأرامل، ها نحن قادمون لنعاقبكم، لنقتصّ منكم .

أليس هذا الفكر هو الذي يجري تطبيقه الآن، ومن خلال متطرفين قتلة يرفعون اسم الله شعاراً، ويهتكون شرعة الله، هم ينهلون من نبع واحد آسن، وهم داعش والنصرة والقاعدة والوهابية والإخوان وعشرات التركيبات المتطرّفة والصهاينة سواء في الفكر والعقيدة والتطبيق.

إن ما يجري اليوم على أرض سورية، والمنطقة بشكل عام، وعلى أرض فلسطين بشكل خاص، وعلى القدس رمزها الأبدي، هو امتداد طبيعي لما أسّسته الصهيونية من قبل، وكذلك فإنّ الحملة الإعلامية الصهيونية التي رافقت، وما زالت ترافق بتعاون مطلق مع قوى رجعية، ودول استعمارية وإعلام ومال عربي «للأسف» تسلسل وقوع الأحداث لم تكن تسعى إلى قلب حقائق ما يجري على الأرض بين آلة عسكرية تطحن شعباً أعزل فقط، بل كانت تؤسّس لفصول أكثر دمويّة لاحظنا تصاعد وتيرتها يوماً بعد يوم، وفي أكثر من منطقة، وفي سورية وحدودها الجنوبية، لتصيّر من تبقى من الشعب الفلسطيني، في المحصّلة شرطة حدود للسهر على أمن الصهاينة، لا بدّ أن تنتهي بنفض كلّ الاتفاقيات الهشّة التي وقّعت بعد مفاوضات ومحادثات ماراثونية على مدى سنوات.

إنّ شعار «السلام» هو السلاح الأكثر خطورة كونه يخفي تحت ستارته الحريرية بشاعة ما يجري حقيقة على أرض فلسطين، والذي تعمل إسرائيل من خلاله لتقسيم الشعب العربي برمّته إلى مؤيد لعملية السلام بالمفهوم الصهيوني، أيّ تكريس الاحتلال، وبين مناهض لها بالمفهوم الشعبي العربي، أيّ المقاومة والتحرير، ومن هنا يمكننا أن نفهم وندرك أبعاد هذه الهجمة غير المسبوقة، بل وهذه الحرب الكونية التي تتعرّض لها سورية على وجه الخصوص.

ولنأخذ صورة أخرى من روح شاعر فلسطيني التصق بأرضه، وحين قضى فتحت له ذراعيها واحتضنته، يقول توفيق زيّاد وهو شاعر فلسطيني من الناصرة في قصيدة طويلة أقتطف منها:

سأحفر رقم كلّ قسيمة من أرضنا سُلبت، لكي أذكر، سأبقى قائماً أحفر، جميع فصول مأساتي، وكلّ مراحل النكبة، على زيتونة في ساحة الدار!

وعندما نتحدث عن فلسطين، فإننا نتحدث عن قسم جنوبي من سورية الكبرى «بلاد الشام»، فكلنا في دائرة الاستهداف، وكلنا في دائرة الخطر…

إنّ الصهاينة برسمهم تلك الأحلام الخيالية المفرطة بالكذب والشعوذة لتحقيق مكاسب إقليمية بدعم ومساعدة من أنظمة عالمية مشبوهة وحاقدة يشوّهون التاريخ، ويحاولون تحقيق التوسع الاستيطاني على حساب أصحاب الأرض الحقيقيين، ويقودون العالم إلى متاهات صراعات حادّة جديدة، وكأنّ دروس التاريخ التي قادتهم إلى الهلاك أكثر من مرّة لم تعطهم العبر المرجوّة.


عن صفحة الفقيد على اللفيسبوك

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى