احمد يعقوب ابكر - منفستو الموت.. (خيبات الالهة والمرأة والوطن)

مدخل لا علاقة له بالنص:
والانسان المولود في زمن جفت فيه الطحالب تحت وقع اشعة شمس الدولة الآيلة الى الافول ، مريض بلوثة القومية العربية الاسلامية ،في بلد يسمى السودان ، حيث عقله لايزال يحمل خراء 30 عاماً من التقديس الاعمى للرموز، في زمن تضعضعت فيه الايدولوجيات الدينية وانتحرت تحت حوافر المد الثوري للعولمة وكوزمبوليتانية الانسنة لكل ما هو خارج سياق الجنس البشري وانتصر الانسان/ الالة المتوحشة ،ولم يكن للطوائف الدينية التي تشبه السرطان المنتشرة في جسد الشعب اي معنى ، وكجندي مخلص لتربيته الاسلامية وقناعاته من ان هذه الحرب مقدسة ولسوف يبعث الله من سماواته ملائكة لتحارب بجانبهم مستخدمة سيوف من لهب ،في زمن يمكن لصاروخ كروز ان يفعل الافاعيل؛ الان فقط يدرك ان زمزميته الانيقة والمملؤءة بعصير الليمون وحذاءه العسكري الجديد واللامع ؛لا يعني لجنود المعسكر الاخر عدا كونه كائن مدلل وليست له اي علاقة بالحرب وسيموت في تلك الخرابات، وسيكون قبره بطون الطيور الجارحة وديدان الارض وسيجد العزاء في الجحيم الابدي الذي ينتظره وهو مصفد ومكبل بالخيبات .
(1)
أسيرٌ في ذلك الفجر الشاحب الذي يتنفس بصعوبة بالغة ، وقد كسا الضباب المدن ، التي التفتت عنها الآلهة وقررت الاضطجاع في فراديسها الضجِرة والمملة، وإذ أهجسُ في سري بالدمار والخراب حافياً الا من جسدي وبمحاذاة الساحل الذي يبحث عن شاطئ ٍ ثالث،متأبطاً عقلي الخرب والملتاث بذاكرةٍ صدئة بفعل الدهور والحقب الممضطربة التي رضعت حليب الموت ووريد أزمنتها المحنط كالسراخس يحمل هرمونات القتل والخيبة ، تجذبني الهوة الفارغة في تشظيات الدهر الارخميدسي متفكرا من اي السلالات نحن؟ واي كواكبٍ ابليسية نسكنها ؟ وأي شيطان هو من وضع قوانين هذا الكون بخيباته؟، وسيقول الراوي : بعد الحروب والوثوب والفتك والتآمر شبقاً نحو العروش المزينة بالاشوك ؛ستهدأ النفوس كما بحر بعد عاصفة ، لكن تحت الطبقات الجيولوجية للارواح الصدئة الملوثة بالدم والفاتحة أفواهها كسمك القرش، سيبدأ ارتسام تشكيلي مرة اخرى لقتال دموي جديد، وسيقرع طبل الحرب او النحاس وستصهل خيول الموت ، وسينتحب عزرائيل وهو يؤدي طقس اخراج الروح ،وسترتوي الارض بالدماء وستزدهر بالجمجمات وتخضر برؤس الاصابع المقطوعة ، وسيكون الغراب وحده من ينبش ساتراً اجداث ضحايا الزمن الخائب، وسيقول المخلّص الذي لن يأتي أبداً، أنبشو اجسادهم واصلبوها واحرقوها بالنار خالدين فيها حقبا.
(2)
تحت هذا الفضاء الاصم والغامض، كانت ملايين الايحاءات والهواجس والاسرار ترسلها البراري المتوحشة والسماوات السديمية المملوءة بالدخان بأن الالهة قد انتحرت ،أو تحولت الى وهم صنعه ما يدعى بالجنس البشري، أو ربما كانت أصناماً من عجوة أكلها صانعيها في لحظة مسغبة أو هزلٍ، وآن كانت الالهة تباع كسلع ٍفي اسواق الجشع الرأسمالي ، كان أحدهم يرفع كلتا يديه نحو تلك الفضاءات المترامية متوهماً الاجابة على اسئلته العويصة التي ترقد في مضاجع من سبات كهف عميق في قرارات سحيقة .وإذ يتساءل ، سبحانك أخلقتنا عبثا هكذا لنحيا لهواً منزويين في ظلمات فضاءاتك اللعينة؟ ،وفي قرارات روحه المبتلية بالوهم يدرك ان آلهته قد هجرته تماما ، اوانها تناسته في سأمها المقيت وخيباتها الملعونة منذ الازل، ماكانته الالهة يومها لم يكن وأد أطفالها فقط ؛ بل كانت تحشرهم يوميا في زنازين ما يسمى بالحياة ، تشتتهم في براريها المتوحشة تاركةٌ ايّاهم في بحر من العراء والجوع والفقر والفاقة - تلتهمهم حيتان المحيطات اللعينة ، ومن نجا من مراكب موتها كانت تعد له ناراً حامية وتقلّبه ذات اليمين وذات الشمال وستكمل شياطينها ما تبقى من موبقات اللاالهة،وسوف اتوسد في تلك الازمنة قوس قزح عابر نحو المجهول وساقيم طقساً افريقيا خالصا وسانثر الماء في الفضاء العلي وساخاطبهم لقد تركتمونا فرادى كما رأيناكم أول مرة ، بل زعمتم أنكم ستكونون بجانبنا .
(3)
وعفوية هذا الوطن وانبثاقه المفاجئ كزهرة عباد الشمس، في أحدى الصباحات الخريفية بثغره الباسم وحليب البدايات الاولى يسيل على فمه يذكرني هذا الموات الان ، فبعد تتالي الصدمات والاضطرابات والغوص في الاعماق اليومية والحروب والفساد والدمار والدين واللادين والوهم والاباطيل وحقن الناس بالدجل والشعوذة ،واعطال البناء وغياب المشاريع الوطنية ، وبيع اراضيه ،ونشيده الذي يشبه الدعاء لالهة خربة أفسدت العالم وتوهمات الاجيال بالخضرة والنماء والحليب وسنابل القمح وخمور الذرة نكتشف اليوم وفقط ؛ان هذا الوطن لقيط ابن حرام ولد من صلب السلالات الدموية ،وجيناته الوراثية تعاني من عيوب خلقية وان من يجلس على عرشه مجرد شيطان تائه آت من جزُرٍ لاوجود لها مهمته التأكيد على افناء كل مافيه ، وعلى هامش وعينا المبتل في طين الوهم؛ نستدرك اننا ميتين وتافهين على هذه الارصفة وأنه يجدر بنا أن ننسج خيوط أكفاننا ، واذ يتساءلون ، هل كان وجودنا خطأ وبلا معنى؟ ام أننا لسنا أكثر من عابري سبيل او مسافرون في ليل بلا نجوم؟ وأن الموت هو محطتنا النهائية؟ وعلى تخوم تلك الاسئلة ساجاوب ، بان الوطن مصطلح خرافي لا وجود له بتاتاً الافي أذهاننا الميتة المحنطة بالاحلام التى لم نراها في نومنا ،ألسنا في أزمنة بددتنا الرياح بسمومها كما اوراق الشجر في الليالي الخريفية الحالكة، وها نحن أخيراً في محيطات التيه وظلمات اليّم المضطربة ، نبحث عن سفن نجاة تنقذنا وتعيدنا الى بر الامان، توقا الى صدور الامهات وارحامهن الدافئة ، بعيداً جداً عن الوهدة والصدمة القاتلة.
(4)
في تلك الآونة كان رأسه هو المطلوب/ رأس يوحنا المعمدان الذين تريده سالومي عاهرة القصر ، هذا التنائي كان بين عالمين من البحار وبينهما برزخٌ،هو في غياهب ظلماته العتيقة يدرك أنه لاينفع لاي شئ ، فما عادت تلك الموائد المترعة بافخاذ المناخات العجيبة تستهويه ،النساء العرايا اللاتي يتراشقن بالمياه في ذات ظهيرة وقطرات المياه تسيل من منحدر النهدين نحو السرة باتجاه الاودية التي نما على ظهرها زغبٌ خفيف يتطلع الى شمس الاستواء، ومُذ تطأ قدميه تلك الرمال الباردة يحدق في الافق الخلاسي راسماً بيديه سربا من طيور السنونو وهي راجعة الى أوكارها ،ويراجع ارخبيلات دماغه الذي بدى يحن الى التبغ ،ومع دخان السجائر الذي يتلوى في تلك البراحات والفضاءات المضمخة برائحة البحر تستدعي الذاكرة شكل المرأة ،الذي يتبدى في اشكال الغربة ،حيث ان تكون حرا ليس كافيا لان تسير فوق خط مستقيم ، اذ تبدو خطوط الاخرين منحنية ومنكسرة وهذه المنافي تعني السير على خط اخر للحفاظ على توازن الاشياء ، الغربة هذا الهجاس والخضاب والدم، المرأة هي بداية الموت الاول، الموت الآسر بنزقه ، المثير بشهوته ، وحين اتلو هذه الموبقات التي يوشوش بها عقلي السكير والمنتشي بالسم أو الخمر سيقولون ياله من تافه وصفيق ، انه الموت يا سادة في حقب الكبت والسيلان والميكروبات والفيروسات أزمنة الاذهان الملتاثة بالصلوات التي لن تقبل والدعوات المبتورة والمنكورة ، دهور الصدأ والصدع ، عصور اللاأوطان وغروب شمس الالهة زمن النهايات والخيبات.
(إنني اكتب هرباً من الخلود واستعدداً لمعانقة جحيمي الخاص).

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى