سمير غالي - الآن صار بإمكاني أن أنام

إلى سمير صالح سيدي..
الآن صار بإمكاني أن أنام..

فُرِجَتْ . فالبدويّان اللذان أستأجراني لنحر مئة شاةٍ في مأدبةِ عُرس عرضا عليّ أجراً سخيا ، كما إنهما وهباني جلود الذبائح التي كانت تباع وقتها بسعرٍ جيد ، حيث صار بإمكاني بناء دكانين كبيرين في واجهة البيت ، بعد أن أُزيل شجرة النبق الهرمة من وسط حديقة المنزل .
توسَّطْت الأسلاك الشائكة التي كانت تحيط القطيع على مقربةٍ من خيمة الزفاف وشحذت سكّيني . كانت عيون أطفال البدو حبلى بفرحٍ شرهٍ وهي تحدق بي خلال سَورة الذبح ، فيما لم تتوقف النساء في الخيام البعيدة عن إطلاق الأهازيج الراقصة .
وزغردت بدوية ، فكبَّرت ، وأحكمت سكيني في أوداج أول رأس . تدفقت الميازيب على الرمال بالدم الحار ، وبخفة قصّابٍ محترف ، رحت أحز على عجلٍ رؤوس الخراف . لكنني انتبهت لشاةٍ كانت تدنو مني . تحدق بي وأنا أمسح سكّيني بصوف الذبائح ، فتبتعد لتلوذ ببقية القطيع ، ثم لاتلبث حتى تظهر من جديد ، فتقف قبالتي ، وهي تطلق ثغاءً مرّاً ، قبل أن تبتعد باحثة في سور الأسلاك عن منفذ .
وقد طلبت في تلك الأثناء ماءً ، وأشعلت سيجارةً لأستريح ، فلما عدت من استراحتي لم أجدها . سألت الأطفال الذين كانوا يراقبونني . لم يكن أحدٌ منهم منتبهاً لوجودها . فلما أعياني البحث ، رجعت لأُتم عملي ، فوجدتها ممددةً بين الذبائح وقد لطخت صوفها بالدماء . سقطت السكين من يدي ، وانحل حزامي لوحده وبكيت . وحملتها ومضيت خارج السور ، واعتذرت من أحد البدويين عن أتمام المهمة لأن وجعاً ألم بي ، وطلبت منه أن يحدد سعراً لهذه الشاة لأنني أود الأحتفاظ بها ، فرفض أن يأخذ أي ثمنٍ لها وقال : هذه عشاؤك .
حين ابتعدنا عن الخيام أنزلتها . ظلت تسير ورائي ، ثم حثت الخطى وسبقتني . سبقتني وكأنها كانت تعرف الطريق الى شجرة النبق .


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى