يونس بن عمارة - وآخرها: لقاء.. قصة قصيرة خيالية طريفة

يا لعملي السخيف، إنه سخيف حقا حيث ألتقي بالأحياء والأموات يوميا، من فضلكم لا تعتقدوا أني حفار قبور كلا لست كذلك أنا وكما تقول زوجتي دائما ((ببساطة موظف في شركة اعلانات بالجرائد)).

أما الأمر الذي لا تقوله زوجتي فهو أني (ذكي) وهذا ليس غرورا بقدر ما هو واقع، أنا لا أنتظر أحدا ليعرفني بذكائي. لقد نقشت منذ زمن طويل على خاتمي الفضيّ (أنا ذكي). وقتئذ نظر إلى الصائغ بعينين بلهاوين:

ماذا… لم أسمع؟
هل تسمع إلا رنين النقود والأرقام الكبيرة؟

قال بجفاء: ومن منا لا يسمعها؟

حسنا…أنقش ما أخبرتك به إذن

قد أكون غريب الاطوار ولكنني أعلم أن غريب الأطوار في الموضوع هو مهنتي العجيبة.

كنت جالسا في المقهى…والجلوس في المقهى في نظري هواية لا بعدها ولا قبلها…حين ربّت على كتفي أحدهم لألتفت وأجده صديقي..منعم.

آ…منعم ..اجلس من فضلك
أنت دائما مع الليمون؟
أنا دائما مع الفيتامين… هل أتيت لتؤانسني هنا بعدما طردتك امرأتك من البيت
طبعا ..عشنا وشفنا زمان وصلت فيه أطوال ألسنتهن للقمر..ثم أضاف:
لو كنت أطلب طلبا واحدا من الله يحققه لي لطلب الزوجة الصالحة…
الاشهارات والأفلام الان لم تعد في حاجة لسوبرمان أو باتمان…المرأة اللطيفة الشريفة هي الأمل والغاية وهي الاسطورة الخيالية الموجودة حاليا..
يا له من واقع مر ..ثم قلت ضاحكا:
اياك وأن تزيد مرارته بالقهوة..أتى النادل حينها وطلبت لمنعم عصير برتقال.
لا بأس

ثم سرح منعم كعادته في شروده ليفيق منه فجأة..

هل أنت من يعمل بقسم اعلانات الزواج؟
ولم؟
انه لمحظوظ ذاك الذي يعمل هذا العمل…نساء جميلات. مواصفات مطابقة لهوى المرء.

قلت ضاحكا بشدة: لقد كنت أعرف! أنت لا تقرأ إلا الجرائد الاخبارية…لقد كتبت مقالات عدة لمجلة ‘حواء’ أو ‘ايف’ كما يسميها الغرب بعنوان (كوارث اعلانات الزواج).

ها… لقد سبقتني اذن!
لقد سبقتُ الجميع ..الزواج بالورق…يبقى على الورق…فكم من رجل أتى مشاجرا الجريدة لأن مخطوبته كتبت (جميلة) بدلا من (بارعة الجمال) وأن هذا الامر يسبب له ضررا معنويا بوصفه (رومانسيا للغاية). ولكن الأرشيفات تقول أنه طلقها بعد شهرين في قضية شرف ونقلت بعض الكلمات التي قالها هذا الرومانسي جدا في المحاكمة في مقالاتي وهي كلمات أقل ما يقال عنها أنها (بذيئة) أو آخر يشاجرنا لأنها كتبت (مقبولة) وهي (غولة) أو لأنه أسود ويقول أنه أسمر ..إنها أشياء مضحكة..لذا فإننا كتبنا في ركن اعلانات الجريدة:

“طاقم الجريدة غير مسؤول عن المواصفات الشخصية ولا يترتب على نشر الاعلانات أي مسؤولية أدبية أو قانونية”

قال منعم وهو يبتسم: يبدو أن عملك طريف..

أبدا ..انه التناقض المر في الواقع.. لقد أتت إلي جميلة حسناء لتنشر اعلان زواج، قالت وهي تمضغ العلك بتأنق: بكم تنشرون اعلان زواج في صفحة كاملة؟

قلت مبتسما: لا ننشر!…ألم تعجبك القوائم الصغيرة؟

كلا
إذن لتحقيق مرادك..يجب عليك خلق جريدة لك وحدك!! ثم عدت للموضوع:
الشرط الواضح هو: نسخة من بطاقة التعريف، رقم الهاتف ولذا أقول (إن وجد) لأن حسناء مثلك لا بد من امتلاكها لنوع راقٍ منه ..(وهنا احمرت أو تظاهرت بالحياء الذي يعجب الرجال الفحول) ولا داعي في الأخير لحضورك شخصيا..هنا.
أعرف ذلك لكنني لا أعرف الانشاء…ولا أعرف وصف نفسي…وخطي رديء جدا..فإني أكتب أحبك ويقرأها الناس من ردائتها: أكرهك!!.. وكما قلت لك لا أعرف وصف نفسي.. فأصدقائي من الذكور يقولون أني بارعة الجمال..بينما صديقاتي يقلن أنني عادية.. أظن أن ذلك من غيرتهن..

ضحك عبد المنعم بشدة ..فواصلت: قلت لها ببلاهة.. أن نصفك الأعلى مقبول بالنسبة لصديقاتك أما نصفك الأسفل فهو بارع الجمال حقا بالنسبة لأصدقائك، وهنا غضبت جدا وقالت: عيب أن يوظفوا وقحا سافلا مثلك ..فقلت ببساطة:

وعيب أن يكون لآنسة محترمة وجميلة مثلك أصدقاء وتبحث عن زوج..يا آنستي الزواج ليس تجارة والزوج ليس سلعة وهذا المكتب ليس كنيسة تزويج لقد كنت لبقا معك…

واذن؟ النتيجة! ألن أكتب اعلاني؟
حسنا فلتتفضلي باعطائي البطاقة …بطاقة التعريف ..أما القسيمة للوصف فسأعفيك منها.. كانت جالسة طوال حوارنا بهدوء:
من أي صنف تريدين أن يكون زوجك؟

عاودها حياء طفيف والتمعت عيناها وقالت بابتسامة:

موظف عادي…له سكن… لا يفوق الأربعين..ملتزم ولطيف..ثلاث أشياء غيرمهمة الشكل أو أن يكون متزوجا بواحدة أو أكثر أو أن يكون مطلقا والشيء المرفوض هو أن يكون معاقا..
حسنا…لماذا منضبط؟ أقصد (ملتزم) على حد تعبيرك..
لأغراض خاصة…

قلت لها بمرح ابتسمت له: سأكتب امرأة جميلة في الخامسة والعشرين من عمرها. موظفة؟

أجل.. في القطاع الصحي.. ممرضة
اسمحي لي يا آنستي ..لكن المستشفى يحوي كنوزا من الاعلانات تلقائيا!!
ولكن أتعرف ما هو اسم المستشفى الذي أعمل به؟
لا
مستشفى سين للأمراض العقلية

فضحكت لهذا الخبر وقلت: سنقول ممرضة وكفى!

كتبت بضعة معلومات ورؤوس أقلام على الورقة..طلبت منها عنوانها …ورقم هاتفها…ثم قلت بمرح.. انتهى كل شيء…

قالت بتلعثم وبعد؟

وبعد!…قلت لها شارحًا كأستاذ: وبعد يا آنسة سوف يتصلون بك على عنوانك البريدي أو هاتفك ويحددون معك مكانا ووقتا للقاء…وبعدها..وإذا تم التراضي (بارك الله لكما وعليكما وجمع بينكما بخير)
أرجو ذلك…أشكرك..أرجو أن تكون صديقا لي.
الصحفي دائما صديق كل الناس…
ولكن لا أظن أن هذه المعلومة تدخل قاموس زوجتك عندما يكون الصديق (أنثى).
لقد راقبتِ كفي! يالنساء..قال وخاتم الزواج يلتمع في اصبعه
شكرا

كان منعم قد شرد منذ بداية الحكاية…ومنسوب عصير البرتقال في الكأس لم ينفذ بعد.

منعم.. أظن أن الأولاد والزوجة ينتظرون

قال مذعورا: آ…؟ ماذا؟…رددت قائلا…حان وقت الرحيل…كان قد تيقظ تماما: ألم تلاحظ شيئا؟

ماذا؟
ان مواصفات الفتاة تنطبق عليك تماما…صفقت بيدي هلعا وقلت:
آه…يا لي من غبي..وأخرجت الهاتف النقال ورقمت عليه رقم هاتفها
آلو…هيفاء؟ قالت مباشرة كما لو كانت تنتظرني:
لقد تأخر دماغك في استيعاب الحكاية أربع وعشرين ساعة وست وثلاثون دقيقة..يا لغبائك..اكتب على خاتمك…قلت لها بلهفة مقاطعًا:
سأكتب…أنا أحبك…أين أنت الآن؟
في منزلنا..
حسنا
أنا أنتظرك…ثم وضعت شفتيها على السماعة…كقبلة عصرية.


عن مدونة يونس بن عمارة

يونس بن عمارة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى