ياسين خضر القيسي - الحوذي

رأى الحفرة من بعيد بعينين ثاقبتين ذلك الحوذي، حاول سحب لجام فرسه الجامحة لتفادي السقوط، إلا أن العربة كانت مسرعة، لم يستطع إيقافها، سقط وفرسه والعربة تردّوا فيها كلهم، خرج من ثقب الأرض المقابل للحفرة، ليجد نفسه في عالم آخر ليس كعالمه الذي خبره، وهو ينفض غبار الزمن عن كاهله من هول الصدمة التي رأى، مبانٍ وسيارات وكهرباء والناس ملابسهم ليست كملابسه، أين مزرعته وجدول النهر أين أبقاره وخرفانه أين زوجته وأولاده ؟ تساؤلات أشعلت تلافيف رأسه، فسقط مغشيا عليه، تلقفته أيادي المارة ووضعوه في سيارة كبيرة لضخامة جسده الذي يتراوح بين المترين ونصف المتر إلى المشفى القريب منه، انتشر الخبر في المدينة، الصحفيون أول من دخل المشفى، الناس تنتظر الأخبار، الشرطة واقفة عند باب ردهته ينتظرون الطبيب المعالج ليعطيهم الأذن في استجوابه، القلق استبد بالمدينة، عربة وحصان وحوذي بهذه الضخامة الهائلة ونحن أقل منه حجما يا لهذا الحصان الأدهم بروعته وتناسق قوامه، كيف يكون بيننا من أين أتى؟؟؟؟ تساؤلات كثيرة تحتاج إلى أجوبة، استيقظ من غيبوبته، أشار الطبيب إلى عدم استنطاقه لما يعاني من فقدٍ للذاكرة، كان الفضول عند الطبيب أن يعرف عنه الشيء الكثير، بعدما سأله عدة أسئلة كانت أجوبته مغايرة لِما يريد الطبيب منه فظنه فاقدا الذاكرة، كان المعالج شارد البال كيف لهذا الرجل أن يسقط في حفرة ليخرج من أخرى من الأرض؟ هكذا حدثه الحوذي.
في اليوم الثاني أتت الشرطة والصحفيون للمشفى لتبيان الحقائق منه أو من الدكتور إلا أنهم لم يجدوه في سريره حاولوا البحث عنه خابت كل آمالهم، ذهبوا إلى العربة ومربط الفرس لم يجدوا أي شيء إقتفوا آثاره وجدوه في سرعة بالغة جدا مع عربته وحصانه الأدهم، كان الحوذي يبحث عن ثقب الأرض ليعود أدراجه إلى حياته التي فقدها دون إرادته، كانت العيارات النارية تتخاطفه وهو لا يعرف ما هذا الأزيز الصارخ بأذنيه، اقتربوا منه أكثر، حاول الابتعاد منهم بين الغابة المجاورة لوعورة أرضها، إلا أنه لم يتمكن انقلبت العربة وهم أحاطوا به من كل جانب وضعوا القيود بيديه وزجوه بالسجن. كانت الأيام اشد بطءً وحزنا عليه، وكثيرا ما كان يبكي زوجته أطفاله ووطنه، كانت الحفرة التي خرج منها كثيرا ما كان يفكر فيها، كيف السبيل إليها؟ ليدخل فيها ويعود لأهله وتلك الأيام الرائعة التي فقدها بلحظة من الزمن.






ياسين خضر القيسي.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى