أدب السجون منير لخضر - أدب السجون و مقاومة الاستبداد السياسي بالمغرب

الفرضية الأساسية التي تدور حولها هذه المقالة هي على الشكل التالي: إن أدبيات الاعتقال السياسي بالمغرب لا تعبر عن تجارب إنسانية شخصية فقط بقدر ما تعبر عن فعل مقاومة للاستبداد السياسي في فترة التوتر بين الدولة و المجتمع و واجهة للنضال من اجل الديمقراطية و حقوق الإنسان.

يعتبر الأدب أحد الفنون الجميلة السبعة إلى جانب الموسيقى، الرقص، النحث، الرسم، المسرح، فالسينما، فهو يعبر تعبيرا جميلا مؤثرا في حنايا النفس البشرية، و ما يختلج فيها من عواطف و أفكار و رؤى. أما السجن فهو نقيض الحرية نقيض الإبداع يتساءل الشاعر عبد اللطيف اللعبي في هذا السياق " هل هناك نقيض لجوهر الأسر أدق من الكتابة " و فيه تتعطل كل الرغبات و بتعبير الفيلسوف ميشيل فوكو "اقتصاد للحقوق المعلقة " .

لقد شكلت أدبيات الإعتقال السياسي واجهة من واجهات الصراع السياسي في العالم العربي الإسلامي نظرا لسيادة الطغيان السياسي لذا اعتبر البعض بان أدب السجون هو في نفس الآن أدب مقاومة لأنه يعمل على إدانة و فضح مختلف الممارسات السلطوية المتحكمة في السلوك السياسي للأنظمة العربية – الإسلامية فمن المشاكل التي يعاني منها العالم العربي الإسلامي نجد غياب الديمقراطية و احتكار السلطة و هكذا يمكن القول أن أدبياب الإعتقال السياسي بالمغرب لا يمكن حصرها فقط في كونها تنتمي إلى ما بات يعرف بأدب السجون بقدر ما يمكن أن نذهب بعيدا من ذلك و نقول أنها تشكل بالفعل أيضا أدب مقاومة، مقاومة الاستبداد السياسي و الممانعة السياسية للنظام السياسي المغربي في فترات التوتر أو ما بات يطلق عليه " سنوات الرصاص".

لقد ظل موضوع السجن السياسي من الطابوهات التي يحرم الخوض فيها في الوطن العربي الإسلامي بصفة عامة و في المغرب بصفة خاصة إلى وقت قريب و الملاحظ اليوم هو تزامن إنتعاش حركية إصدار أدبيات الإعتقال السياسي مع فترة عنونها العريض:"المصالحة"، المصالحة على مستوى قواعد اللعبة المؤسساتية ، المصالحة على مستوى قواعد اللعبة الاقتصادية، المصالحة على مستوى قواعد اللعبة المجتمعية ،على أن تفاعل المجتمع المدني و الحقوقي المغربي مع هذه الكتابات كان دافعا أساسيا و إيجابيا في اتجاه التصدي لكل المعاملات اللإنسانية و الماسة بالكرامة الإنسانية داخل تلك المعتقلات الرهيبة ( تازمامارت، قلعة مكونة أكدز، درب مولاي الشريف...) .

إن النقاش الحقوقي و السياسي الذي ساد خلال هذه الفترة حول السبل الناجعة للطي النهائي والملائم لصفحة الماضي الأليم لم يتزامن فقط مع الحركية الواسعة لإصدارات أدبيات الإعتقال السياسي التي تجعل من السجن و الإعتقال موضوعات محورية و مركزية لها، و إنما تزامن كذلك مع الكشف عما جرى خلال تلك المراحل العصبية و في نفس السياق شكلت كل من جلسات الاستماع العمومية التي نظمتها هيئة الإنصاف و المصالحة و جلسات الإسماع العمومية التي نظمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خطوة في غاية الأهمية في سبيل الكشف عن الحقيقة و إعطاء الفرصة للمعتقلين / الضحايا أنفسهم الذي لا زالوا على قيد الحياة أو لذويهم للبوح بشهادتهم و بمعاناتهم من جراء القمع، الإعتقال، السجن، التعذيب .... و كانت فرصة لجميع المغاربة و للعالم للوقوف عند هول و فظاعة ممارسة السلطة على المعارضين السياسيين إبان مرحلة التجاذب و الصراع السياسي العنيف أحيانا إنها باختصار لحظة تاريخية يصغي فيها الوطن بكل جوارحه إلى أنين و معاناة أبنائه.

إن أدب السجون بالمغرب علاوة على أنه ينقسم إلى نوعين أساسيين الأول:
أدب السجون عسكري و الثاني أدب سجون مدني، يتجسد من خلال العديد من الأجناس الأدبية كالرواية، الشعر المحكية الرسائل و اليوميات... و قد ظهر كذلك في الرسم الكاريكاتوري نذكر على سبيل المثال تجربة محمد النضراني ( من معتقلي مجموعة بنوهاشم بقلعة مكونة ) و تجربة عبد العزيز مريد الذي حاول رسم الإعتقال السياسي في صور (bandes dissinnées) من خلال كتابه "إنهم يجوعون الفئران تجويعا"و هو أسلوب غير مسبوق في الأدب المغربي لاسيما في موضوع من الموضوعات ذات الطبيعة السياسية الحساسة.

إن هذا التنوع الأدبي في مقاربة قضية الاعتقال السياسي لشيء جميل، و محمود يجعل من أدب السجون يترامى على أطراف الأدب الرحبة خالقا بذلك "جبهة أدبية " من أجل مقاومة و فضح الفظا عات المرتكبة في كواليس المعتقلات و السجون السياسية بالمغرب لكونه يعبر تعبيرا صادقا و صريحا عن آمال الشعوب التواقة إلى التحرر و الإنعتاق من أسار الطغيان السياسي و يعمل بجهد من أجل تعبئة القارئ العربي _الإسلامي و العالمي للتصدي لهذا "العار السياسي " الذي يجثم على أنفاس البشر في أفق إزالته من واقعنا العربي_ الإسلامي و بهذا يكون أدب السجون أدبا ملتزما تشكل قضية الاعتقال السياسي لب إهتماماته.

إننا نعتقد إن أدب السجون بالمغرب رغم محدودية الخطاب الإبداعي عموما كان له دور في الدفع ببروز وعي حقوقي و سياسي كفيل بالضغط على النظام السياسي لإقرار الضمانات السياسية و الدستورية القمينة بتجاوز الماضي و حفظ الذاكرة الجماعية و عدم تكرار ما جرى في أفق بناء مغرب تسوده الحرية، الديمقراطية و حقوق الإنسان.

هكذا إذن يمكن الخلوص إلى أن الكتابة السجنية شكلت بالفعل أداة لتشخيص فعل المقاومة و الصراع مع النقيض الجوهري "السجن" في أفق إزالته و تشييد وطن يكون منطلقه الإنسان و منتهاه الإنسان و طن بلا جيوش، بلا سجون،و بلا دموع، , أن أدب السجون يعبر عن مشاعر الشعوب و عن الفكر السياسي و النضال من أجل الحرية و الديمقراطية كوسيلة و غاية في نفس الآن.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى