عبد الستار ناصر - شجــاعة روزفلت

abdulsattar-naser.jpg

في المقهى ، وبعد عشر سنوات على تركه التدخين ، عاد ثانية إلى سجائر المارلبورو ، التي اعتادها في السجن ، أيام كان محسوباً على حزب محظور ، ينفث الدخان بأعصاب موتورة ، ويكرر ـ مع نفسه ـ كلمات روزفلت: الشجاعة لا تعرف المستحيل.
ليس المهم هذا الشعور القاتل بخيانتها ، بل إحساسه بالغفل والبلاهة: كيف يكون آخر من يعلم ، وهو الذي قال عن نفسه ، ذات يوم: حتى إبليس لا يمكنه أن يخدعني.
لكن ، ليس المهم خيانتها ، فهذه جريمة مكرورة ، منذ أول الخليقة ، لا فرق فيها بين الرجال والنساء ، المهم ، ماذا سيفعل مع زوجته بعد أن حلت البلوى ، وهو لا يملك شجاعة روزفلت ، التي لا تعرف المستحيل؟
يقتلها ، مثلاً؟
بأي سلاح يقتلها ، وهو الذي ، إذا ما رأى دجاجة تذبح ، يوشك أن يموت هلعاً ، وتقشعر مساماته؟ لن يذبحها ، طبعاً ، ولن يطلق عليها الرصاص ، هي زوجته منذ عشرين سنة: كانت معه في السراء وفي الضراء: أمضيا شهر العسل بين دمشق وبيروت وقبرص ، فهل يذبح تلك الذكريات ، دفعة واحدة ، ويشطب على كل شيء؟
ليس المهم أن هذه الزوجة طعنته في صميم فحولته ، ومضت إلى رجل آخر ، بل إحساسه الموجع أن يكون مخدوعاً إلى هذا الحد ، وهو الذي ، لم يستطع أحد في الدنيا كلها ، أن يحتال عليه ، حتى إبليس.
لا مفر من قتلها.
سيعطي أيما ثمن لمن يجهز عليها ، ويقطع أنفاسها ، من دون أن يرى ، ومن دون أن يعرف كيف تمكن ذاك القاتل من شطبها من الحياة.
وماذا سيفعل مع هذا الضمير الذي سيوخزه كما العقارب؟ هو يعرف نفسه جيداً ، لن ينسى حكاية قتلها ، مطلقاً ، ستأتيه في الكوابيس ، وفي الليالي كلها ، لكن العار ، أيضاً ، سوف يلدغه إذا ما ترك أمرها بعد كل ما فعلته،
شفط سيجارته بقوة ، حتى كاد أن يبلعها. لعنة الله عليك ، يا روزفلت ، الشجاعة كما تقول: لا تعرف المستحيل ، وهذا يعني ، حرفياً ، أنني لا أملكها.
لكن لا أحد يعلم بما حدث ، فما تزال زوجته تلبس ثياباً أنيقة ، ومحتشمة ، تستر جسدها ، وليس من أثر على ملامحها يوحي بخيانتها ، والناس لا شأن لهم بكما ، فماذا تستفيد من قتلها ما دامت هي نفسها لم تزل تتذكر سنوات الحب واللهفة والسفر ، بل هي أفضل منك عندما تأتي على ذكريات بيروت وقبرص ودمشق: أنت نسيت ، تماماً ، أسماء الشوارع والمطاعم والأسواق والحدائق والفنادق ودور السينما ومدن الملاهي ، التي تمتعتما بها في أجمل شهور العسل: هي ما زالت تتذكرها ، بعد عشرين عاماً ، فهل كنت وفياً لتلك الذكريات بحجم الوفاء الذي عاشته معك؟
راجع نفسك ، يا رجل. الحياة لا تستحق أن نرجمها بالحجارة ، هكذا ، وما دام لا أحد يدري ـ من الأقارب والجيران والأصدقاء ـ فما هي المشكلة ، بصراحة؟
ـ رجل واحد يعرف ذلك: عشيقها ، ألا يكفي هذا؟
لكنه لن يفضح أمرها ، فهو ، من دون ريب ، سيخاف منك ، أيضاً. تأكد أنه لا يعلم أنك تخاف حتى من رؤية دجاجة تذبح ، وهذا سيمنعه من فضح هذا السر العظيم ، راجع نفسك ، يا رجل. قلت لك: إن الحياة لا تستحق أن نرجمها بالحجارة ، ولا أفهم ، حتى هذه الساعة ، لماذا تفكر هكذا ، كأن الخيانة ستكون من نصيبك وحدك.
المهم الآن.
اسمعني أرجوك.
المهم هو أن تتزوج ، أولاً ، ثم فكر كما تشاء ، فقد طالت بك سنوات العزوبية وأصبحت في الأربعين ، وأنت تفكر ماذا ستفعل إذا ما تزوجت بامرأة سوف تخونك ، وأنت الذي حتى إبليس لا يمكنه أن يخدعك،
ها أنت تخدع نفسك ، فتزوج ، إلى متى ستبقى وحيداً في البيت؟.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى