عبد النبي فرج - حرائق.. قصة قصيرة

(1)
البنت عايدة بنت رزق لما نبت نهدها وبقى زى الرمانة ، هاجت. عايدة بنت المعلم رزق شنودة بائع العطور فى خان الخليلي الذي أخذ شقة ثلاث غرف وصالة واسعة ومطبخ وحمام في حدائق القبه ومن سنتين وقع عليه رف متهالك ومات. كان رجلاً شحيحًا يموت على التعريفة ويلبس (نضارة كعب كباية مشبرة وإطارها عتيق من أيام سيدنا كحكوح . ترك الصعيد ونزل القاهرة مابين 53، 55 مش فاكر . واستقر عند جوز أخته نادية وقيل إن هناك أسبابًا كثيرة لتركه الصعيد وهو لا ينفي أو يؤكد فهو رجل كتوم رغم أن الموضوع لا يوجد فيه سر والسبب الوحيد هو شح الرزق وضيق الحال ورغبته القوية في تحسين أحواله وكان أول عمل له في قهوة في السيدة زينب يظل طول النهار يعمل حتى تعرف على بائع عطور في الحسين، وعندما رأي فيه خفة ونشاطا وذكاءا، طلب منه أن يعمل معه، وبالفعل استطاع بنشاطه وهمته وصبر الزوجة الأولي أن يدخر مبلغًا محترمًا يستطيع أن يفتح به محل، ولم يخجل من صاحب محل العطور، بل قالها بهدوء وقوة في نفس الوقت: أنا خلاص مش جاي بعد النهاردة... - ليه قال بتصميم: هو أنا هشتغل معاك للأبد صبي.. أنا بكره هيكون لي محلي الخاص. ولما شيخ الحارة وجد له شقة هايلة في شبرا رفض بتاتًا، مع أنها جوار بيت جوز أخته - ألبتة. - شنودة الشقة قريبة من الجماعة... دي لقطة - لا وانزوى بشيخ الحارة: خصوصًا تكون بعيدة عن شبرا ولما الست زوجته ماتت فى منتصف السبعينيات، ولم تنجب وهو قارب على منتصف الأربعين والدنيا تغيرت والحالة اتحسنت وفى المحفظة ثروة استطاع بها أن يتجوز شكرية بنت الأسطي سمعان الخياط البريمو وكان دكانه في الخليفة.. المعلم شنودة صياد، البنت مراته كانت فتنة وهو كان عارف ولذلك بدا يضيق عليها ويغلق عليها الشقة بالمفتاح. اعرف عايزه تخرجي للشارع ليه؟ طلباتك كلها بتيجي لحد عندك .. يا وهيبة، متنسيش الخارج كله شرور , يا طيبة دى فرصة عشان تتأملي فى حياة ابن الرب. الزاهد وكان عنده صلابة خنزير يعني عايز يعمل شىء ينفذه زى الكتاب ما بيقول.. يذهب بإصرار كل أحد للكنيسة وفي يده عايدة والزوجة المخلصة حتي لو كانوا مرضي فبدوا اسرة متماسكة مثالية . معنديش انحراف، الشافي هو الله ولأن عايدة وحيدة شربها صناعة العطور بالمعلقة واحدة واحدة.. حتى أصبحت بيرفكس و بعد أن مات مسكت المحل بيد من حديد
(2)
الست وهيبة جت من القداس بعد أن قبلت يد أبونا وطفرت سيلا من الدموع ورسمت إشارة الصليب وشكرت المسيح في الأعالي ثم قامت وصدرها يموج بالغضب وفتحت الدولاب ونزعت هلاهيله ورمتها على الأرض وسحبت الصندوق الفضي المرسوم عليه الصليب وأيقونة العذراء وهي تحمل ابن الرب، فتحت الصندوق وتفحصت أشياءه ونظرت حواليها، لمبة، سهراية بجوار السرير الأرضي المرتب بعناية والكتاب المقدس موضوع على رف، حذاء مرتق، سجادة اشتراها عام خمسين. أعادت ترتيب الأشياء بعد أن نزعت عدة أوراق مالية من فئة المائة جنيه ووضعتهم فى صدرها ثم قامت ووضعت الهلاهيل في السندرة مع الأحذية المرتقة من ككل جانب، المفكات، المقصات، علب البوية، مواسير مياه، زجاجات فارغة، ملابس ممزقة، ساعة يد واقفة الست وهيبه فتحت الشبابيك ونفضت الغبار المتراكم ونظرت إلى المرآة وأطلت فيها ووضعت كريم الأساس وعزمت الجيران على الشاي وأرتهم العفش الجديد اللي أشترته من بيع المصنوعات وقمصان النوم والأحذية والشربات والفساتين من شارع فؤاد.... في عز الليل ريح هاجت وصفقت الأبواب والشبابيك بعنف، قامت عايدة مفزوعة تتحسس الجدران وفتحت غرفتها، ووقفت في الصالة وأنصتت لصوت الريح.. تمهلت حتى اعتادت عيناها الظلمة وخطت خطوات إلى أن أصبحت أمام باب غرفة أمها فتحت" فرجة" وأطلت داخل غرفة أمها لترى الأهوال والشياطين الذى تلبستها وأخذت تنهش فيها بقسوة، تكومت على الأرض حتى استعادت وعيها فقامت تجر ذاتها حتى وصلت إلى غرفتها، وهناك أشعلت شمعة، نزعت ملابسها كاملة ووقفت أمام المرآة تتحسس الثدي المدور، الأرداف، السيقان التي تضوى فى وهج الغرفة وارتمت على السرير ووضعت مخدة لينة بين ساقيها، وأخذت تفرك في عنف
(3)
وقفت أمام المرآة تنظر إلى شعرها الآسود الخشن ووجهها الميال للسمرة وعيونها السوداء الصغيرة والزغب الصغير النامي فوق شفتيها الرفيعتين الحادتين وأنفها الدقيق... كان وجهها بريئًا وطيبًا دخلت الحمام ونظفت نفسها وفي اليوم التالي دخلت غرفة أمها وأحست باحتياجها إلى طوفان من الحنان تجاه أمها. الغرفة لها رائحة مميزة. فتحت درج التسريحة وأخرجت علبة التواليت ومسحت وجهها بالبودرة وشفتيها بالروج وتعطرت بعطر غال تعرف قيمته فهو من العطور التي تميز المحل، وأخذت تمشط شعرها بعناية ثم دخلت غرفتها وسحبت بنطلون جينز وبلوزة بيضاء وارتدتها على العري فظهر ثديها واضحًا والحلمة مغروسة في البلوزة... نزلت من البيت واجتازت الحارة وركبت الأتوبيس( أخرجت حافظة النقود وأعطت المحصل عشرة جنيهات وأخذت الباقي وغرست عينيها فى عينه)نزلت ميدان المطرية وأخذت تتجول فى الشوارع قرب المترو ثم ركبت " أتوبيس (41) ونزلت ميدان التحرير وسارت على الكورنيش وهي تنظر إلى الموج الدافئ الذي يلمع تحت سطوة الإضاءة.. لم تستطع أن تؤلف علاقة . قالت: آخر حاجة أدخل جاردن سيتي الشباب هناك بيشغي سارت فى شارع القصر العيني ودخلت محل للفطائر أكلت فطيرة بالزبد ونظرت إلى المرآة كان شعرها الخشن نافرا فبدا مهوشا بشكل يدعو للإزعاج عادت إلى الحمام وبلت يديها من الصنبور، ومسحت به شعرها وخرجت من المحل إلى الشارع اجتازت شارع القصر العينى. سارت في قلب الظلام تتجول فى شوارع جاردن سيتي المعتمة، لا أحد.. حتى كلت وخبت لمعة عينيها فعادة مرة أخرى وركبت تاكسي وارتمت على الكرسي ناظرة إلى السقف في لامبالاة ثم نزلت وصعدت الدرج وفتحت الباب ودخلت غرفتها وأطفأت النور وشدت اللحاف وأخذت تشخر في العتمة


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى