د. مصطفى احمد علي - فوجيرار.. قصة قصيرة

قادته قدماه إلى حيه القديم في فوجيرار ، في الدائرة الخامسة عشرة. رغب أن يلمّ إلمامة قصيرة، وأن يزور مدام أغوادو الإسبانية، حارسة العمارة. انتابته لوعة وشوق قديم وهفا قلبه إلى معاهد شبابه ونضارة أيامه..مر ببائعة الصحف العجوز، لطالما داعبها وداعبته..نظر إليها لكنه لم يجسر على مخاطبتها وهي في شغل شاغل من أمرها..اتجه إلى المخبزة علّه يرى الخبازة العجوز..كانت تهفو إلى لقائه وتبدي له احتراما وتقديرا يمس قلبه ..لم تكن هناك، فقد كان الزمان أغسطس!..دلف إلى داخل العمارة و قطع الدهليز الطويل مارّا أمام دار مدام أغوادو. رغب في أن يضغط على جرس الباب، وأن ينتظر في الساحة-الحديقة كما كان دأبه. لمح امرأة عاكفة على غرس في الحديقة، حسبها مدام أغوادو، لكنها لم تكن كما ظنّ. لم تكن هي، فقد كان الزمان أغسطس! تقدمت المرأة إليه محيية تحية إسبانية..بسم لها وحادثها قليلا ثم حمّلها أشواقه إلى مدام أغوادو حينما ترجع من عطلتها الأسبانية
يومه الثاني في أورتنبرغ..بيرغ تعني الهضبة أو الربوة. يومان قضاهما بين فرنسا و ألمانيا، ستراسبورغ وأوفنبورغ وبادنبادن وأورتنبرغ. أمضى نهار أمس في بادنبادن، مدينة صغيرة تجمع ما بين فيشي ومونت كارلو، وفرة في الماء وانبساط في الخضرة.. جنة معلقة في هضبة من هضاب الغابة السوداء. الغابة جبل يبلغ طوله مائة و خمسين كيلومترا، و عرضه ثلاثين. عجب مما قرأ ثم ما سمع من كلاوس، أن الغابة السوداء تموت من فرط التلوث!
نظر إلى الصفحة الأخرى من الغابة، السفح الآخر من الجبل، فلم ير إلا شجرا متصلا بعضه ببعض، لا نهاية له.عاد طفلا و هو يجيل النظر صعودا وهبوطا وهو على أقدام الجبل. كانت تبدو له ، في عظمها وعنفوانها، نهاية العالم، أو كان على الأقل ،يرى في خياله، وراءها عالما آخر مجهولا!
تذكرهما..معهما عرف باريس. باريس الكوسموبوليت: باربيس والمآكل الشرقية والمطاعم الطريفة المتنوعة، باريس التي يعشقها، باريس الباريسية: مونمارت ومطاعم لوبك وشارتييه ومقاصف شاتليه و سان لوي وليالي الأوبرا وحمى الكاتورز جويييه.. تذكرهما وقد تفرقت بهم السبل واختلفت المشارب وحالت بينهم الأيام و الليالي!

د.مصطفى احمد علي،
-أورتنبرغ، أغسطس 1987

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى