نزيه أبو عفش - - كم من البلاد أيتها الحرية!.. شعر

رصاصة في القلب.. رصاصة في الدفتر..‏‏
رصاص في السرير.. رصاص على الارصفة..‏‏
وتحت الرصاص تحت الرصاص رجال مبعثرون ينهمكون في البحث عن مستندات لاثبات الالم..‏‏
مستندات لائقة لاثبات الحب..‏‏
جواهر لائقة لاثبات صحة الموتى.. كل على طريقته..‏‏
كل على أرض دساتيرها ومقتضيات فرائسها..‏‏
عدالات تشيخ.. عدالات كاذبة.. عدالات بسراويل..‏‏
واقمطة ونياشين متفسخة.. كل نابليون على طيقته..‏‏
كل ارض على هواها: تيجان متأرجحة تنفث رمادا وتنام في رأس الصفحة..‏‏
لا أعني الكلاب فالكلاب عادلة..‏‏
لا الذئاب فالذئاب تعرف وقتها النبيل.. البلاد البلاد..‏‏
البلاد ذات الانياب والاوشحة وحمالات السراويل..‏‏
بلاد السفلة والمزورين وحفظة كلام العدل..‏‏
بلاد الحرية ايها الموتى..‏‏
بلاد الاقفال ايها الاحرار الدنسون..‏‏
بلاد القداسات الشريرة والاثداء المنفوخة بالغازات السامة..‏‏
البلاد الجالسة على نفسها تتلقى ارحام النساء..‏‏
البلاد المفتوحة على المقابر.. المقابر..‏‏
البلاد بأرصفتها ومنشديها وحملة نعوشها..‏‏
البلاد التي انت فوقها لا عليها ياألله.. لا عليها..‏‏
واذا ما تركنا مجموعات الشاعر ووقفنا عند اخر ما قاله حول سيرته الذاتية، فاننا نقتطف جمر الشعر مثمرا زهر اللغة والعمر اذ يقول:‏‏
الآن، إذ ألتفت إلى الخلف (إلى خلفٍ امتدَّ قرابة سبعة عقود) لا أبصر إلا الرماد..‏‏
ولا تلتقط حواسي إلا أصداءَ الغصات وما بقي من دخانِ الانهيارات والفجائع..‏‏
ألتفت وأشهق.. ألتفت ولا أندم..‏‏
ألتفت وأقول: آه.. لو كانت التوبةُ ممكنة!..‏‏
ألتفت فلا أجد ورائي إلا ما أَوْرثَه الشعرُ لصاحبه من هشيمِ الأحلام وندوبِ العثرات والخسائر..‏‏
كان الشعر مخرجاً وملاذاً.. فصار هو الضائقةَ والكابوس.. «ماذا نفعل من دون الشعر؟»..‏‏
كان ذلك هو سؤالنا في البدايات..‏‏
أما الآن فقد صار السؤال: «ماذا نفعل بأنفسنا وقد تورّطنا في محنة الشعر؟»..‏‏
مع ذلك لا نزال نوهم أنفسنا أننا نتنفس به..‏‏
نتنفس بكامل طاقة رئاتنا المثقوبة..‏‏
مدركين على الدوام أن ما نتنفسه ليس أوكسجين النجاة..‏‏
بل هو ثاني أوكسيد الموت..‏‏
مكثفاً، نقياً، وشديدَ الإغراء والفتك..‏‏


--------------------------------
* (كم من البلاد ايتها الحرية)، نص موجه الى الولايات المتحدة الاميركية راعية الموت والدمار، اميركا صانعة وناشرة الموت الرجيم، هل في جعبتها الا الرصاص والموت ؟‏‏
أعلى