عادل سعد يوسف - لُؤْلُؤَةٌ تَمْضِي إِلى جَمْرِهَا.. شعر

مُفْتَتَحٌ

الْبَحْرُ لا يَخْذلُ الأُنْثَى
يُضِئُ كَمَالَها بِالْبِدَايَاتِ
ثُمَّ
يَهْطلُ
مِنْ تَشَهِّيهَا يَمَامَاً
فِي يَدَيْكَ
…………
…………
قَال الْعَاشِقُ :هَذَا جَمْرُهَا
وَأَنَا مِلءُ قِيَامَتِي هَارِبَاً مِنْهَا
إِليَّ.


(1)
الْبُحَيْرَاتُ
أَخْطَاءُ الْعَاشِقِينَ
الْعَاشِقونَ اِحْتِماءُ النَّوَافِذِ بالْغِيَابِ
كَالْعَصَافِيرِ
غَمَّسَتْ مَنَاقِيرَهَا فِي دَمِي
وَسَمَّمتْني
بِقُبْلَتِك الْخَاطِفَةْ.


(2)
قَايَضَتْنِي سَمَوَاتُ الْمَشِيئةِ بِالْحَدِيْقَةِ
فَاخْتَرْتُ
-عَلَى شَمَالِ فِتْنَتِهَا-
مَرَايَاهَا
واخْتَرْتُنِي في أَسْمَائِهَا
بَحْرَاً
تُعَدِّدُه الصِّفَاتْ.


(3)
كَحُزْن واحدٍ لا يَسْأَلُ الْبَحْرَ
كَطُبُولٍ عَابِرَةٍ عَلَى مَجَرَّةِ عِيْنَيْكِ
كَاشْتِغَالِ النَّدَى بِأُغْنِيَةٍ مُوحِشَةٍ
أُسَمِّي نَفْسِيَ الْغَرِيبَ
أُسَمِّيها زَنْجَبِيلَ النِّدَاءِ
فِي اللَّيْلِ
ولا أَتَّقيكْ.


(4)
عَلَى مُوَيْجَاتِكِ
أَنْ تُشَذِّبَ وَحْشَتِي
أَنْ تَنْزَعَ بِتِلاتِ هَذَيَانِي
أَنْ تُلْبِسَنِي فِتْنَةً تَحُكُّ دَمِي
فَقَطْ
عَلَى مَهَلٍ
فِي هَذَا الصَّبَاحْ .


(5)
أُنضِجُ سُنْبُلَةَ الشِّعْرِ لِشَهْوَتِكِ الْغَامِضَةِ
أَطْهُو أسْمَاكَ رَعْشَتِكِ لأرْخَبِيلِ الْمَسَاءِ
أُتَبِّلُ أصَابِعِي بِجَمْرَتِكِ
وأتَأمَّلُ
غِيَابَكِ النِّرْجِسِيِّ.


(6)
الصَّبَاحُ جَسَدٌ يَحنُّ لِسَاعِدٍ يُعَلِّمَهُ الْعِنَاقَ
لمَوْجَةٍ تُرَتِلُ ذَرَّاتِهَا
يحنٌّ لِعَيْني حَبِيْبَةٍ
بِإغْمَاضَةٍ
تَعْرِفُ كَيْفَ يَقُولُ النِّرْجِسُ :
أُحِبُّكِ
وَيَفُوحُ مُكْتَنِزَاً بِهَا .


(7)
كُلَّمَا
عَلَّقَتْنِي الْحَبِيْبَةُ عَلَى أَقْرَاطِ بُرْتُقَالِهَا
غَافَلَنِي الْبَحْرُ بِالْخَطِيئَةِ
فاحْتَرَقْتُ
عَلَى اشْتِعَالِ الْمَزَامِيرِ
عِنْدَ مَذْبَحِ النَّدَى .


(8)
كُلُّ شَهْدٍ فِي بُرْتُقَالِ الْعِشْقِ
مِنْهَا
وكُلُّهَا أَنْخَابٌ عَلَى بَحْرِ الْخَلِيقةِ
تَسْتوِي فِي اصْطِفَافِ اللَّيْل
وَتَشْرَبُنِي
وَحْدُهَا .


(9)
أسْألُك الآنَ
لِمَاذا لاتجِفُّ الْبِحَارُ؟
أَلأنَّكِ الشَّهْقَةُ الْمَاطِرَةُ؟
أَمْ لأنكِ خمْرُهَا السِّرِيّ
وأنَا
رَغْبَتُكِ الصَّاهِلةْ ؟
(10)
فِي الْمَقْهَى
أَقْرَأُ الظَّهِيرَةَ
أَقْرَأُ سَحَابَةً تَتَّكِئُ عَلَى شِرَاعٍ بَعِيدٍ
ومِثْلُ بَحَّارٍ قَدِيمٍ
أُدَخِنُ عَيْنَيْكِ
وأكْتُبُ
أَمْوَاجَ غِيَابِكِ عَلَى رَشْفةِ (الإسْبِرِسْو)
هَكَذَا
يَكُونُ هَذَيَانِي بِكَ وَاحِدَاً.


(11)
أُعَلِّقُ اتِّقَادَ أنَامِلِكِ فِي رَجْفَةِ الْيَنَابِيعِ
أُعَلِّقُ جُنُونِي عَلَى جَمْرِكِ الْخِلاسِيِّ
أُعَلِّقُنِي بِكِ
وأُسَمِّيكِ خِلْسَةَ البَحْرِ
ثُمَّ أَصْنَعُ كَوْبَيْنِ
مِنَ الْهَدِيلِ لِعَصِيرِكِ الشَّهِيِّ
وأصْرُخْ.


(12)
يُؤوِّلُكِ النِّهَارُ
تَسْكُننِي حَدِيقُةُ النُّعَاسِ عَلَى كَتِفَيْكِ
وَبجُنُونٍ ثَمِلٍ
أَعْرِفُ
أَنَّ كلَّ غُصْنٍ مُهَيَّأ لَكِ
وأَنَّ كلَّ بَحْرٍ تَجْرِبَةٌ فِي الْمَحَبَّةْ.


(13)
لَكَأنَّنِي أَقْرَاطُ عَنَاقِيدٍ ثَمِلَةٍ
أَتْعَبُ
عَلَى كَرْمَةِ عُنْقِك فِي رَنِينِهَا الْمُذْنِبِ
لَكَأنَّنِي الْبَحْرُ
وَأَنْتِ
تَمُرِّينَ عَلَى شُرْفَةِ ضِلْعيَ الْمَكْسُورِ
اشْتَهِي صَباحَاً
يَقُودُنِي لِنَبِيذِ خِصْرِكِ .


(14)
كُلَّمَا نَسَيْتِ أَنَامِلَكِ بِكَفِّي
مَلأتْ جَسَدِي فَرَاشَاتٌ شَبِقَةٌ لِلْمَوْتِ
نَتَلَكَّأُ قَلِيلاً
ثُمَّ نَمْضِي مُتْرَعَيْنِ إلى نُبُوَّةِ الْمَوَاسِمِ
كَمَجَازٍ نَاضِجٍ
وَمُبْتَكَرٍ
لِمَائِدَةِ الْبَحْرِ.


(15)
عِنْدَ جَهْرَةِ الْمَسَاءِ
أَرْسُمُ لَوْثَتَيْنِ عَلَى يَدَيْكِ
وَأَنْتِ تُجَدِّلِينَ ضَفِيرَتَكِ الْمَسَائِيَّةَ
تَأْخُذِينَ زُرْقَةَ الْمَاءِ إلى الْمَاءِ
يَتَّسِعُ الْبَحْرُ
يَتَّسِعُ جُنُونِي بِكِ
تَتَّسِعِينَ لِي
نَقْتَسِمُ الارْتِعَاشَ
وَنَبْكِي .


(16)
وأنْتِ تَتَجَوَّلِينَ مِثْلَ عَبِيرٍ فَاضِحِ الْمُلامَسَةِ
تَتَجَوَّلِينَ
مَثْلَ شُعَاعٍ مِنَ النَّبِيذِ الْخَيَّامِيِّ
فَاكِهَهً
فِي مُنَادَمَةِ الْبَحْرِ
قُلْتُ:
كَمْ يَكْفِينِي مِنَ الْعِشْقِ
لأشْرَبَ قَهْوَتِي
بِجِوَارِكْ؟


(17)
هَذَا الْمَسَاءٌ لا يُؤدِّي إلى بَحْرٍ
هُوَ مُزْدَحِمٌ بِأَسْرَابِكِ الْعَطْشَى
كَأنَّه
غِيَابُكِ بِكَامِلِ الْغَابَاتِ
وكَأنَّنِي
أَحْرُثُ صِفَاتِي
عَلَى مَجَرَّةٍ رَاقِصَةٍ.


(18)
أُقِيمُ عَلَى بَرَازِخِ التَّدَابِيرِ
كَنَوْرَسٍ
وَعَلَى أَزِقَّةِ انْتِظَارِكِ
أَتَلَصَّصُ
مَنْبَتَ كَعْبَيْكِ عَلَى مَاءِ الْمَخِيلَةُ
وَأَخْتَبِرُ فِطْنَةَ الْيَابِسَةْ.


(19)
عَلَى جِدَارِ الْمَقْهَى تَزْحَفُ ظِلالُك الأُنْثَى
بَيْضَاءَ كَخَجَلِ خِصْرِكِ
مِثْلَ اعْتِرافٍ بَسِيطٍ
يَلِيقُ بِالْبحْرِ
ثُمَّ
تَجْرَحُ أَنَامِلِي بِالرَّحِيلِ .


(20)
الآنَ
أَمْنَحُكِ أَسْبَابَاً كَافِيَةً
لارْتِكَابِ مَا يَكْفِي مِنَ الْغِيَابِ
لإهْمَالِ الْعَصَافِيرِ الْبِاكِيَةِ
عَلَى شجرةِ الْبَحْرِ
أَمْنحُك
الانْعِتَاقَ
مِنْ سَقْطةِ الْفَاكِهَةِ.


(21)
عَلَى بَحْرٍ يَضِجُّ بِظِلِّ عَاشِقَيْن عَلَى الْبَحْرِ
أَحْتَاجُ مَقْهَىً آخَرَ
تَرْنِيمَةً أُخْرَى
وَشَجَرَةً لا يُهَدِّدُهَا الْجَفَافُ
وَنَبِيذَاً
كَطَعْمِ أَصَابِعِكِ الْخَمْسِ.


(22)
عَلَى الطَّرِيقِ أَتْعَبَنِي التَّأمُّلُ
أَتْعَبَتْنِي الصِّفَاتُ
لامْرَأةٍ
تَخْرُجُ عَنْ أَسْمَائِهَا
وَتَمْشِي
عَلَى رَذَاذِ الزَّوْبَعَةِ.


(23)
أرْتَدِينِي
بَحْراً كَامِلاً
وَأَجْثُو عَلَى أسَاوِرِهَا
أُعَلِّقُ أَجْرَاسَهَا فِي وَحْشَةِ الْوَقْتِ
أَغْتَابُ
عَضَّةَ خِصْرِهَا
رَجْفَتَهُ
الَّتِي لَوَّحَتْنِي
لِلإنَاثِ.


(24)
عِنْدَ اِبْتِهَالِ الْمَاءِ أشْتَهِي التَّرَانِيمَ
أَرْعَى أنَامِلَ يَقْظَتِي عَلَى كَاحِلَيْكِ
أَرْعَى الْحَسَاسِينَ
عَلَى رَحِيقِ الْمَرَايَا
وَهْىَ تَرِفُّ
عَارِيَةً
فِي الْجُنُونِ.


(25)
سُمْرَتُكِ الَّتِي تُلَوِّحُ كَحُزْنِ مُرْبِكٍ
كَشَغَفٍ مُرْبِكٍ
كَبَلاغَةٍ تَمْضُغُ ذَكْرَيَاتِي مَعَكِ
وأنَا
عَلَى انْتِظَارِ الْبَحْرِ
أَتَنَبَّأُ بِالْمَقَاصِدِ
وَاسْتَعِينُ عَلَيْكِ
بِالْهَذَيَانِ.


(26)
حَتَّى نِهَايَةِ الأسَاطِيرِ الْمُؤنَّثَةِ
لِقِيَامَةِ الرَّمَادِ مِنْ جَسَدِ الْبَحْرِ
حَتَّى نِهَايَةِ التَّشَابُهِ بِالرَّحِيلِ ذِي الأَجْنِحَةِ
عَلَى غُرْفَتِي الصَّغِيرَةِ
أَرَى
آثَارَ قُبْلَتِكِ فِي دَمِي.


(27)
لُوْ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ
أُعَلِّمُ الصَّبَايَا شَهْوَةَ الْبَرَاعِمِ
أُعَلِّمُ النَّهَارَ سُطُوعَ عَيْنَيْكِ
أُعَلِّمُ كَفَيَّ انْتِظَارَ ضَحْكَتِكِ
أُعَلِّمُ الْبَحْرَ جَنَّتَكِ الْغَامِضَةَ
لاحْتَمَلْتُ
إبْرَتَيْنِ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي أَوَّلِ الْغِيَابِ.


(28)
فِي الْبَدِءِ كَانَ الْعِشْقُ
كَانَتِ السَّمَاءُ تَسْتَلْقِي عَلَى وَرْدَةِ الْجَسَدِ
وَالنَّافِلَةُ
أَسْرَارُنَا الْعَطْشَى لِرَعْشَةِ الْوَصْلِ
فَلِمَاذَا أيَّتَهَا الصَّابِئَةُ
تَعْبَثِينَ بِالْبَحْرِ فِي أوِّلِ الْحُلْمِ؟.


(29)
فِي الْبَحْرِ
يَرِنُّ نَعْنَاعُ ابْتِسَامَتِكِ
أَشْرَبُ وَمْضَ لِيْلٍ مِنَ الْبَتُولا
أُفَكِّرُ كَثِيراً بِالْمُوسِيقَى
بِعِطْرٍ
يُحَاوِرُ سُكُونِي
بِالثِّمَارِ.


(30)
لِكَي أَنَامَ كَسُنْبُلَةٍ بَسِيطَةٍ عَلَى دَيْمَةِ عِطْرِهَا
أَتَمَنَّى نَافِذَةً مُغْلَقَةً تُشَاغِبُ الْبَحْرَ
وَأُنْثَى
تُرْبِكُ تَارِيخَ أَنْفَاسِيَ
وَنَخْبَ شَمْعَةٍ
فَارِهَةٍ.


(31)
اسْتَثْنِي شَارِعَاً
وَأَلْتَقِطُ صَعْقَتَيْن مِنْ قَمِيصِهَا الأَحْمَرِ
وَخُنْصْرَيْنِ
يَتَقَاطَعَانِ بِرْفَقَةٍ أَبَدِيَّةٍ
وَبِذَكَاءِ الْبَحْرِ
أَهُشُّ نَوَارِسَ عيْنَيْهَا
عَنْ صَدَفَتِي .


(32)
حِينَ سَرَابٍ بِكِ
أَعْرِفُ
أَعْضَائِي الَّتِي تَشْبَهُنِي
أَعْضَائِي الْمُنْفَرِدَةُ بِجِنَاسِ الرَّغْبَةِ
أُغَسِّلُ
جَسَدَي بِطَمْأنِيَنةِ الْجُنُونِ
وأَمُوتُ
مَلْغُومَاً بِنْكَهَةِ الْبَحْرِ.


(33)
فِي اللَّيْلِ
أَتَذَكرُ هَذَيَانَكِ بِطَلْعٍ يَتَخَطَّفُ عَيْنَيْكِ
أوِّلَ الْبَحْرِ
أَتَذَكرُ
شَغَفَ الْحَمَامَاتِ كَضَوْئَيْنِ مِنْ الحنينِ
يَحْرثُ حَقْلَ الْمَوَاوِيلِ
وَيَتْبَعُنِي وَحِيداً
إلى سُرَّةِ
النُّعَاسِ.


(34)
كُلُّ شِعْرٍ
أُحَدِّثُ اللَّيْلَ عَنْكِ
عَنْ فَصَاحَةِ الْمَحَارِيثِ
أَعْلَى
مَجَازَاتٍ انْكَشَفْنَ عَمِيقَاً فِي الْهُرُوبِ
عَنْ اِمْرَأةِ تَسْرُقُ الْبَحْرَ
وَتَخْفِي
دَلِيلَ وَرْطَتِهَا
بِالظِّلالِ.


(35)
أَخْتَلِسُ ضَحْكَتَكِ
أَنْقَعُ قَمَرَ عَصِيرِهَا فِي قَفَصِيَ الصَّدْرِيِّ
وَكُلَّمَا شَيَّئَتْنِي الْفَاكِهَةُ
أَضَاءَنِي الْبَحْرُ
بِجُرحِ غَيْمَةٍ.


(36)
فِي الْحَنِينِ اللَّيْلَكِيِّ
أَشْرَبُ الْبَحْرَ وَالنِّسَاءَ الْيَنَابِيعَ
وَأَتْرُكُ أَبَنُوسَ لَهْجَتِي عَلَى أَصْوَاتِهنَّ
لِيَبْتَدِرْنَ الْغَنَاءَ
كَعِشْقٍ مُتَاحٍ
كَوَخْزَةٍ تَتَجَرَّأُ
بِالْمَفَاتِنِ .


(37)
كَمَعْزُوَفَةٍ إِسْبَانِيَّةٍ
أَحْتَفِي بِالصَّباحِ الَّذِي يُثَرْثِرُ عِنْدَ كَعْبَيْكِ
وَأَفْجَأُ الْبَحْرَ بِاسْمِي
أَنَا النَّايُ الْغَرِيبُ
كُلَّمَا أُغَنِّي تَخْرُجُ النِّسَاءُ مِنْ ثُقُوبِي
نَاعِسَاتٍ
كَالْـ
هَدِيلِ.


(38)
هُنا
أَنَا بِذْرَةُ اللَّيْلِ
أَشْهَقُ
مَفْضُوحَاً
فِي مَجَازِ بُرْتُقَالِهَا
أُعَلَّمُ الْخَارِجِينَ الْحَنِينَ
قلتُ:
للْبَحْرِ خُصُوبَةُ الظِّلِّ
وَلِلْحَبِيبَةِ
أَشْيَاؤُهَا فِي الْمُوسِيقَى.


(39)
لِلْقَنَادِيلِ الَّتِي تَطْمَئِنُ لأزْرَارِ هَفْوَتِي
لاكْتِنَازِ الأبَدِ فِي السُّنْبُلَةِ
قُلْتُ:
لِمَاذَا كُلَّمَا وَضَعْتُ يَدِي عَلَى يَنَابِيعِكِ الْفَاتِكَةِ
تَشَهَّقَتْنِي الْمِيَاهُ صُعُودَاً
فِي الْجِهَاتِ
كَأَنَانَاسٍ فَصِيحِ الرَّائِحَةِ؟.


(40)
فِي الرَّجْفَةِ الأُولَى
الْبَحْرُ يُشْبِهُنٍي
عَمِيقَاً
ثُمَّ يُثْمِرُ فِي مِزَاجِ اللَّيْلِ
نَايَ عَاشِقَةٍ
تَوَكَّأَتْ جَسَدِي
وَاحْتَمَتْنِي
فِي نِدَاءِ الْبُرْتُقَالِ.


(41)
الْكَرْنَفَالاتُ
تَأَنَّقَتْنِي ذَاتَ عِشْقٍ أُرْجُوَانِيِّ الْمُوسِيقَى
وَخَبَّأَتْكِ بِأَلْوَانِهَا
غَافَلَتْنِي
غَزَالَةُ الْغِوَايَةِ
بِلَمْسَةِ البَحْرِ
أَنَا
وَعْلٌ
يَصِيحُ لِلْفَاكِهَةِ.


(42)
صَبَاحَاً
أَدْخُلُ عَلَيْكِ
أَرُشُّ
عَلَى أَسْمَائِكِ نُزْهَةَ الزُّمُرُّدِ
وَعَلَى جَسَدِكِ الْمُلْتَفِّ بِكَاكَاوِ الْمَلَذَّاتِ
مَا تَبَقَّى مِنَ الأمْكِنَةِ
كَتَرْنِيمَةِ بَحْرٍ سَائِغِ حَنِينُهَا
وَعِنْدَ نُوَّارِ شَغَبِي
تَجْلِسُ أَبْعَاضُكِ
الرَّامِحَةُ.


(43)
التُّرْكُوَازِيُّ
سُورَةُ الْعِشْقِ
تَرْتِيلَةُ لَيْلِهَا الْمَخْمَلِيِّ
لَهُ انْعِطَافٌ وَاحِدٌ عِنْدَ الْبَحْرِ
عِنْدَ اِضْطِجَاعِ الْخُزَامَى عَلَى كَعْكَةِ شَعْرِهَا
وَلِي
حَانَةُ الزَّنْجَبِيلِ
وَالأُغْنِيَة.


(44)
قَالَتْ: الْمَسَاءَاتُ أَرَقُّ الْعَنَادِلِ عِنْدَ صَبْوَةِ أَشْجَارِي
قُلْتُ : اِبْتِهَالٌ جَارِحٌ فِي الْبَحْرِ
وَأَنَا
نَاصِعٌ جِدَّاً بَيْنَ جُنُونِكِ
وَخَمْرَةِ الأَبَدِ
قَالَتْ:إذَنْ سَأُحَرِّضُنِي عَلَيْكَ
بِاحْتِشَادِ الأَحْصِنَةِ.


(45)
كَأنِّي
فِي أَنَاشِيدِ الْعَصَافِيرِ
عِتَابُ الرَّحِيقِ
وَكَأنَّي الْبَسَاتِينُ تَعْزِفُ أَحْلامَهَا
وَتَغْفُو بِثَوْبِ وَرْدِهَا عَلَى شَفَتَيْكِ
وكَأنَّكِ
آخِرُ الطَّرِيقِ لِبَحْرِ الْجُنُونِ.


(46)
أَعْمَى
أَحْمِلُ سِرَاجَ أَبْجَدِيَتِي
وَأَذْهَبُ
لِكُوْنسِيرتِ قَدَمَيْكِ فِي مَرَايَا رَغْبَتِي
وَلأنَّ الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْبَحْرِ
سَأَتَذَوَّقُ ثِمَارَكِ الْمُتَرَاقِصَةَ فِي الاحْتِدَامِ
أَتَذَوَّقُهَا
كَقَصِيدَةٍ مَكَدَّسَةٍ بِالْحُمَّى.


(47)
منْذُ ألفِ عامٍ
الْعَاشِقَاتُ يَضَعْنَ لَوْثَةَ الْمُوسِيقَى فِي دَمِي
يَضَعْنَ بِذْرَةَ الْبُرُوقِ فِي سَلَّةِ الظَّنِّ
وَيَغْتَسِلْنَ بِالْقَصِيدَةِ
وَأَنْتِ وَاحِدةٌ
فَكُونِي عَلَى مَشِيئَةِ الْبَحْرِ
خَطِيئَةَ الْعَاشِقَاتِ.


(48)
اللَّيْلُ طَقْسُ الرُّوحِ
أَرْخَبِيلُ النِّرْجِسِ فِي اِشْتِعَالِ الْبَحْرِ
مُكَابَدَةُ الرَّحِيقِ لِفِتْنَةِ الأُنْثَى
يُسَمِّيهَا الْمَسَرَّاتِ
وَيَكْتُبُ رَعْشَتِي فِي الْعِشْقِ
يُنَادِيهَا
وَشْمَ أَنْفَاسِي
عَلَيْكِ.


(49)
بِسُرَادِقِ لَيْلِهَا الْمُتَهَدِّلِ
أَعْتَكِفُ
كَسِتَارَةٍ مُتْعَبَةِ الْخُطَى
كَالضَّوْءِ الَّذِي يَنْتَظِرُ اِبْتِسَامَتَهَا قُرْبَ الْبَحْرِ
لِيَسْقُطَ عَلَى سَبَلةِ أَنَامِلِهَا
وَأَبْكِي
مِنْ رَسَائِلِ حَرِيرِهَا الْمَلَكِيِّ
عَلَى جَسَدِي
وَحِيدَاً
كَأَنَّنِي قَطْرَةٌ تَأَرْجَحَتْ عَلَى خَلِيجِ جَمْرِهَا.


(50)
لِغِيَابِكِ
يُقلِّمُ الْحَنِينُ أَظَافِرَ رَغْبَتِي
وَيَهْفُو حَزِينَاً
لِرَحِيقِكِ الْمُشْتَهَى
وَأَنْتِ
مِثلُ وَرْدَةٍ تَحُكُّنِي
وَتُفَصِّلُ الْبَحْرَ تَنُورَةً
لِخِصْرِهَا.


(51)
رُبَّمَا
لا أَعْرِفُ هَذَا الْوَلهَ الْبَحْرِيِّ بِكِ
لا أَعْرِفُ نَشَيجَ الْيَمَامِ لِلْغَرِيبِ
لَكِنَّكِ
كَوَرْدَةٍ فِي شَهْرِ مَايُو
كَصَرْخَةِ اِمْرَأةٍ لا تُؤَجِّلُ مَوَاقِيتَهَا
عَبَّأَتْكِ الطَّبِيعَةُ
بِالْغِوَايَةِ
كُلِّهَا.


(52)
لِتِلْكِ الْفِتْنَةِ الَّتِي تَسْكُنُكِ
وَلِفَلْسَفَتِي فِي حِيَاكَةِ الْمَسَاءِ
أَسْكُبُ ضَحْكَتَكِ عَلَى كَأَسِي
وَأَتَلَذَّذُ
بِنَكْهَةِ الصَّبَايَا
رَاقِصَاتٍ
عَلَى أَرْخَبِيلِ جُنُونِي
قُلْتُ : هَكَذَا أُحِبُّكِ
جَانِحَةً
فِي التَّوَحُّشِ.


(53)
كَأَنَّ الْمَقْهَى سَوْسَنَةُ الْقَصِيدَةِ
وَكَأَنِّي أُرَتِّقُ بَعْضَ أُغْنِيَةٍ فِي حَبَابِ الْكَأْسِ
وَكَأَنِّي أَرَى شَمْعَةً وَاحِدَةً
أُقبِّلُهَا كَمُعْجِزَةٍ صَغِيرَةٍ
وَأَمْنَحُكِ الْبَحْرَ.


(54)
كُلَّمَا التقيتُكِ
يَكُونُ مَسَاؤكِ جَمْرَ غِوَايَةٍ مُحْكَمَةٍ
يَنْسِجُ مَلائِكَةً بِحَجْمِ اِبْتِسَامَةٍ عَاصِفَةٍ
وَكَتَلْوِيحَةٍ أَخِيرَةٍ
يَشْعِلُ بَحْرَاً مِنَ النَّدَى
وَيُرْسِلُكِ
لِبَرِيدِ شَهْوَتِي.


(55)
النُّعَاسُ
يَنْزِلُ بِمَطَرٍ مُتَوَحِّشٍ
كَهُدُوءِ الْبَحْرِ
كَتَأَمِّلٍ فَادِحِ الضَّوْءِ
عَلَى سَطْحِ الْبِيَانُو الَّذِي يَعْزِفُ نُوتَةً أُنْثَويَّةً
بِنَاصِيَةِ نَبْضِي.


(56)
أُلَوِّحُ
مَمْسُوسَاً بِعَيْنَيْكِ
كَوَخْزَةِ شَوْقٍ عَلَى كَتِفِ عُصْفُورٍ
كَقَيْثَارَةٍ غَجَرْيَّةٍ تَلَبَّسَتْهَا رَجْفَةُ الْخِصْرِ
تَلَبَّسْتُهَا
بِالَّذِي لا يُحْصَى مِنْ غِوَايَةِ النَّحْلِ
بِشَهْوَةِ الْبَحْرِ
مِنَّي
عِنْدَ اِنْدِلاقِ الْحَدِيقَةِ.


(57)
كَيْفَ أَشْعِلُ قَلْبِي وَأَنْتِ أَوَّلُ الْبَحْرِ
كَيْفَ أُلْبِسُكِ مِعْطَفِي وَأَنْتِ أَوَّلُ الْمَطَرِ
وَهَذَا الْمَدَى الْمُتَأَرْجِحُ بَيْنَنَا قَطِيفَةٌ مِنَ النَّوَايَا
يُوَبِّخُ أَنَامِلي عَلَى جُرْأَتِهَا
عَلَى اِنْفِلاتِهَا
صَوْبَ
رِوَاقٍ يَكْتَظُّ بِالزَّبِيبِ.


(58)
مَسَاءً
كَلُؤْلُؤَةٍ تَمْضِي إلى جَمْرِهَا
تُشْعِلِينَ صَمْتِي بِفَازَتَيْنِ مَلِيئَتَيْنِ بِبَوْحِ سَاقَيْكِ
بِذَرِيرَةِ الْعِطْرِ عَلَى قَمَرٍ يَحْتَلُّ رَعْشَةَ اللَّيْلِ
يَسْألُكِ
كَآخِرِ كَأْسٍ مِنَ الرِّفْقَةِ
مَا الَّذِي تَبَقَّى مِن وَلَهِ الْمَاءِ عَلَى مِعْطَفِي؟
مَا الَّذِي تَبَقَّى؟
وَأنْتِ
بِنِصْفِ رَحِيقٍ.


(59)
أَيَّتُهَا الأُنْثَى الْمُتَأنِّقَةُ بِوَهَجِ الطَّمْأَنِينَةِ
بِالْمَشِيئَةِ
بِاصْطِخَابِ الْحَنِينِ الْمُرتَّبِ
فِي تَمَامِ الْعِشْقِ
سَأُحَدِّثُ الْبَحْرَ عَنْكِ
وَسَأَسْكُبُ فَيْرُوزَ فِنْجَانِكِ الْيَوْمِيِّ
عَلَى شَهْقَةِ السِّرِّ الإِلَهِيِّ
هُنَا
أُبَارِكُكِ بِأَنْفَاسِي.


(60)
عَلَى كَتِفِي
ضَعِي يَدَكِ الْمَوْشُومَةَ بِنَمْلِ رَغْبَتِي
ضَعِي كَتِفِي عَلَى لَيْلاكِ الْمُوسِيقَى
آهٍ
كَمْ يَسْتَحِقُكِ هَذَا الْفَالْسُ
يَسْتَحِقُ
خِصْرَكِ السِّرْيَالِيَّ
كَنِبْرَاسٍ يُضِئُ صُورَةَ الْعَذْرَاءِ
عَلَى أَرْخَبِيلِ سَاقَيْنِ
مِنْ شَغَفٍ.


(61)
عَيْنَاكِ
الَّتِي تَنْتَظِرُ مُهَاتَفَتِي فِي اِعْتِدَالِ اللَّيْلِ
تَعْرِفُ كَمْ أَضَاءَتْنِي بِنَشِيدِ الْعَاشِقَاتِ
تَعْرِفُ حَظَّي كَسَمَكَةٍ خَارِجَ الْبَحْرِ
قَبْلَ مَوْتِهَا
قَبْلَ مُحَاوَلَةِ التَّعَلِّقِ بِقَطْرَةٍ مَاءٍ
تَنْدَسُّ فِي جَفَافِ خَيَاشِيمِهَا
إِنَّهَا
لا تَقْصُدُنِي فِي الْعُزْلَةِ
لَكِنَّهَا تَصْطَخِبُ بِالْبُكَاءِ
حِينَ صَمْتِهَا
الْمُتَبَجِّحِ.


(62)
أيَّتُها الثَّمِلَةُ بِالْمَحَبَّةِ
حِينَ تُهَدْهِدُكِ عَصَافِيرُ الْمَوَازِيرِ الْمُلَوَّنَةِ
تَنَامِينَ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ الْمُوسِيقِيِّ
وَأَنَا
صَرْخَةُ الْمُغَنِّي
أَشْتَعِلُ بِبَسَاطَةِ رَاهِبٍ بُوذِيٍّ
عَلَى بَحْرٍ مِنَ اللُّوْتَسِ.


(63)
أرْسُمُ
لَوْحَةً بِأَلْوَانِ الْمِيْثُولُوْجيَا الْمُقَدَّسَةِ
أُعَلِّقُهَا عَلَى مُنْعَطَفِ الْبَحْرِ
كَسَارِيَةٍ مِنَ الْقُبَلِ
لَوْحَةً
لِغَدٍ يَقْرَأُ اِرْتِبَاكَ أَصَابِعِي
ويُفْسِحُ حَنِينَاً مِنَ الْوَرْدِ ( لِمِشَاطِكِ) الأَفْرِيقِيِّ
كَشَلالٍ يُقَاسِمُنِي غِوَايَةَ الْمَاءِ
وَيَنْهَمِرُ
بِانْتِقَامٍ نَاعِمٍ.


(64)
أَتَذَكَّرُكِ الآنَ
الشَّوَارِعَ الَّتِي تَسِيلُ أَمَامَ قَدَمَيْكِ
وَالْبَحْرَ الَّذِي يَقَذَفُ عُصْفُورَاً بِالْمُكَابَدَةِ
أَتَذَكَّرُ الآنَ الصُّورَةَ
وَنَافِذةَ اللَّيْلِ
وَمِلاكَاً يُتِرْجِمُ سِيرَتَكِ
وَيُضِئُ سَبْعَ مَرَايَا
مِثْلَ نَبْعٍ سَمَاوِيٍّ يَتَحَدَّثُ بِالْعُذُوبَةِ
وَيَتْرُكُ خُدُوشَ يَقِينهِ
عَلَى إِصْبَعِ الْمَغْفِرَةِ.


(65)
بِإمْكَانِكِ الآنَ
أَنْ تَنَامِي كَأُغْنِيَةٍ جَبَلِيَّةٍ عَلَى الْبَحْرِ
وَأَنْ تُقَدِّمِي لِعَابِرٍ مِثْلِي نَبْضَ بِتِلَّةٍ سَاهِرَةٍ
ونَهْدَةً من لّذَّةٍ حَامِضَةٍ
بِإمْكَانِكِ الآنَ
أْنْ تَذْبَحِي عُصْفُورَاً بِإصْبَعٍ وَاحَدِةٍ
يَكْفِي لِنَمِيَمْةِ الشَّقْشَقَةِ.


(66)
أَقِفُ بَاكِيَاً
كَأنِّي شَاعِرٌ قَدِيمُ الْمُخَيِّلَةِ
يَرُشُّ أَطْلالاً عَلَى حَافَّةِ الْقَصِيدَةِ
وَيْقَتَرِحُ لِلْبَحْرِ هَيْأَةً مَأْهُولَةً بِالطَّوَاحِينِ
هَكَذَا
أَنَا الْمَثْقُوبُ فِي نِهَايَةِ الصِّفَةِ
أَتَآكَلُ
كَمَسَافَةٍ بَيْنَ قُبْلَتَيْنِ.


(67)
لا الْبَحْرُ يَحْتَمِلُ الإشَارَةَ
لا تَحْتَمِلَكَ الْكَائِنَاتُ عَلَى اعْتِذَارِ الْمَقَاهِي
وَحْدُكَ
تُلامِسُهَا حَتَّى اِمّحَاءِ الْجِهَاتِ
وَأَنْتَ طَاعِنُ الْغِوَايَةِ بِهَا
فِي الْحَرِيقِ.


(68)
رُبَّمَا فِي الشِّتَاءِ الْقَادِمِ
كَقِنْدِيلٍ مُولَعٍ بِزُرْقةِ الْبَحْرِ
أَرْتَدِيكِ
وَأُغَسِّلُ اللَّيْلَ
بِعَبِيرِ اِمْرَأةٍ تَعَوَّذَتْ بِالْوَجْدِ مِنِّي
رُبَّمَا
فِي الْحَيَاةِ الْقَادِمَةِ أَكْتُبُ الشَّعْرَ لَكِ
عَلَى مَرْأَىً مِنَ الْمَلائِكَةِ
وَبَعْضِ الْعَاشِقِينَ.


(69)
هُنَا
أَلْتَقِطُ أَنْفَاسِي
وَأَبْدُو مُتَصَالِحَاً مَعَ طَاوِلَتِي الْفَارِغَةِ
كَشَاعِرٍ يَدلُكُ الْقَصِيدَةَ بِالْمُحَاوَلةِ الْعَاشِرةِ
هُنَا
أحْتَفِظُ بِتَمِيمَةِ الْعِطْرِ
وَمِنْ طِينَةِ حَقْلِهَا
أَنْجِزُ
اِمْرَأةً تُشْبِهُكِ
وَأَقُولُ : يَا فَرَادِيسُ احْتَرِقْنَ بِهَا.


(70)
الْعَاشِقُ
يَمْضِي مَنْبُوذاً فِي الْبَحْرِ
يَمْضِي كَإزْمِيلٍ
بِلا قُدْرَةٍ عَلَى خَدْشِ شَجَرَةٍ بَاكِيَةٍ
يَمْضِي كَبِحَّارٍ عَجُوزٍ
يِتِقَمَّصُ اِمْرَأةً تُصَلِّي عَلَى شَهْقَةِ الْبَحْرِ
وَيَكْتَفِي بِالْمُسَامَرَةِ.


(71)
يَقُولُ الْبَحْرُ:
الْعَاشِقُ لا يَرَى كَيْنُونَتَهُ إلا فِي نَبِيذِهَا
لا يَرَى اِحْتِرَاقَ أصَابِعهِ
فِي شِتَاءِ نَجْمَتَيْنِ
عَلَى خَدِّهَا
.
.
سَمِّهِ أعْمَىً بِالضَّرُورَةِ.


(72)
كَفَرَاشَةٍ تَتَخبَّطُ فِي نَارِ فَوَانِيسِهَا الْمُعْتَمَةِ
كَهَذَا الْبِيَانُو الَّذِي تَرَكْتهِ خَلْفَ ابْتِسَامَتِكِ
قُرُونَاً مِنَ الْمُوسِيقَى
الآنَ
يَشِيُ بِكَ الْبِيَانُو لِلْمَقَاصِدِ الأوبْرَالِيَّةِ
وَبِاسْمِكِ
يَفْتَحُ ألْوَاحَهَا.


(73)
فِي دَمِي
لُؤْلُؤَةٌ تَرْسُمُ مَعْبَراً لِجَمْرِهَا
تَرْسُمُ رَائِحَةً لِلْعَصَافِيرِ
وَتَلْمَسُنِي
بِنَجْمَتَيْنِ مِنْ عُشْبِ مِحْرَابِهَا
وأَنَا
شَمْعَدَانٌ فِي مُنْتَصَفِ الظَّهِيرَةِ
أُقَدِّسُ الْبَحْرَ.


(74)
نَلْتَقِي
كَكَأسِ حَنِينٍ ظَامِئَةٍ
أَلْتَمِسُ ظِلَّ عَيْنَيْكِ فِي الْغِيَابِ
وَأَجْمَعُ حِكْمَةَ صَمْتِيَ
أَنْثُرُهَا
عَلَى مَفْرَقِ عُنَابِكِ الْمَسَائِيِّ
وَعَلَى سَجَّادَةِ نَزَقِكِ الأزَلِيِّ
أَبْكِي
كَأنَّكِ
غَابَتِي الْمُقَدّسَةِ.


(75)
عِنْدَ حَفِيفِ أَعْطَافِهَا عَلَى أرِيكَةِ الْبَحْرِ
أَرْشُفُ عِطْرَهَا
مِثْلَمَا شَجَنٍ تُعَذِّبُهُ الْخَلايَا
عَلَى لَهَفٍ يُغَنِّي
وَيَمْشِي كَغَنَجِ الْقَصِيدَةِ فِي رَصِيفِ اللَّيْلِ
أَشْرَبُ خُمْرَةَ صَوْتِهَا
أَضْرِبُ كَعْبَيْهَا بِالْبُحَيْرَاتِ الْكَسُولَةِ
وَأَفْجَعُنِي بِهَا.


(76)
لَكَأنَّنِي جَمْرٌ
عَلَى ضَفِيرَتِهَا
أَكْتُبُ مَا عَلَّمَتْنِي أَسْرَارُهَا سِرَّاً
أَكْتُبُ…
وَلَهَا أَنْ تُصَوِّبَ أَخْطَاءَ عَاشِقِهَا
مَثَلاً
بِكُلِّ تَأوِيلٍ لأنْسَاقِ رَعْشَتِهَا
تُرَكِّبُ قُبْلَتَيْنِ .


(77)
كُلَّمَا
شَعَّتْ اِسْتِعَارَةُ عِطْرِكِ
فَرَكْتُ أَنَاِملِي بِإشْرَاقِ لَثْغَتِهَا
.
.
وَأَطْمَئِنُ عَلَى عَسَلِ عِنَاقِهَا
بِقُبْلَةٍ كَامِلَة .
(78)
كُلُّ لَيْلَةٍ أَخْرُجُ مِنْ أَقْدَامِهَا
ثَمِلاً
أَحُكُّ شَارِعَاً بِالْمُوسِيقَى
أَحُكُّنِي بِعَصَافيرِ لَمْسَتِهَا
مُتَأَرْجِحَاً
أُحَاوِلُ أَنْ أَتَذَكَّرَنِي
قَلِيلاً
فِي الصَّبَاحِ
لَكِنَّنِي تَعِبٌ
كَفَانُوسٍ بَعِيدٍ.


(79)
ضَحْكَتُهَا أَثِينِيَّةُ الطِّرَازِ
فِخَاخُ الْحَدَائِقِ لِلْعَاشِقِينَ
مَاكِرةٌ
كَبُرْعُمِ التُّولِيبِ
فِي الشِّتَاءِ
يَقْطِفُ أُسْطُورَةً صَغِيرَةً
وَيَنَامُ
عَلَى رَقْصَةِ الْفَرَاشَاتِ
الْمُنْهَكَةِ.


(80)
فِي الْمَسَافَةِ
بَيْنَ صَدْرِكِ و الْبَحْرِ
بَيْنَ شَهْقَتِي وَالنَّهَارِ الْمُخُتَلَسِ
تَمْضِينَ
كَأنَّك
فَصَاحَةُ الْعِطْرِ
لِرِئَةِ
الصَّبَاحِ.


(81)
قُلْتُ :
كَنَحْلَةٍ تَلْتَقِطُ رِيقَ زَهْرَتِهَا
كَزَهْرَةٍ تَلْتَقِطُ عُصَارَةَ قَلْبِي
كَقَلْبِي الَّذي يَلْتَقِطُ
اِمْرَأةً
مِنْ صَلاةِ الْحُقُولِ
أَنْتِ.


(82)
تَتَأمَّلِينَنِي
عَلَى مِرْآتِكِ الْغَضَّةِ
كَشَجَرَةٍ دَائِمَةِ الظِّلالِ
عَلَى شَارِعٍ تَخَطَّفَتْهُ الأَرْصِفَةُ
أيَّتُهَا الأُنْثَى المُكَنَّاةُ بالْحَلِيبِ
كَمْ أَنْتِ فَاتِنَةٌ
فَي قِطَافِ النُّعَاسِ.


(83)
فِي دَمِي
تَرْكُضُ غِزْلانُ رَغْبَتِكِ
كَعُرْسٍ مَجُوسِيٍّ
تَرْكُضُ
.
.
دَمِي قِبْلَةِ الْبُرْتُقَالِ
يَتَوَضَّأُ بِكِ
بِاصْطِفَاء الْمُحِبِّ
مُتَبَتِّلاً
فِي بَرَارِي الأَزْمِنَةِ.


(84)
بحُدُودِ أصَابِعي
أَكْتُبُ الْهَدِيلَ
وَأَغْزِلُ تِسْعَةَ نَهَارَاتٍ وَمُوِسيقَى
وَأَظَلُّ مُتَألِّمَاً
مِثْلَ قَصِيدَةٍ لا تَتَبَاهَى بِحَيْرَتِهَا
اِمْرَأةٌ عَابِرَةٍ.


(85)
ثَلاثُونَ لَيْلَةً عَلَى بَاحَةِ الْعِشْقِ
أَنْتَظِرُ
حُورِيَاتٍ يُقِمْنَ اللَّيْلَ
أَنْتَظرُ أُرْجُوَانَ المَحَارِيبِ
مُتَأَبِّطَاً
مَشَقَّةَ فَرَاشَةٍ مَجُوسِيَّةٍ
تَغْرِسُ فِي رِئَتِي
شَوْكَةً الْبَحْرِ .


(86)
الرِّيَاحُ الَّتِي تَمُرُّ قُرْبَ سَكْرَةِ اللَّيْلِ
تَضَعُ قَوَارِيرَ هَمْسِكِ عَلَى طَاوِلَتِي
تَتَنَهَّدُ كَثِيرَاً لِغَيَابِكِ
تُقَلِّدُنِي
أَصْدَافَاً نَاعِسَةً
تُبَاغِتُ
سَاعَةَ حِائِطِي الْمُنْهَكَةِ
وَتَدٌورُ بِالْغِيَابِ.


(87)
سَأَفْتَحُ
بَابَ السَّمَاءِ [ مُوَارَبَاً ] كَمْ لَكِ مِنْ سَنَابِلَ لِهِجْرَاتِ فِطْرَتِي
- أَقُولُ -
وَأَنْعَسُ كَالظِّلِّ فِي مَضِيقِ الضَّوْءِ
سَأَفْتَحُ مُخَيِّلَتِي
-أَنْظُرُ-
خُزَامَى ضَحْكَتِكِ الطَّوِيلَةِ
أُعَرِّفُنِي بِكِ
وَأَتَورَّطُ
شَهِيقَاً
بِهَذَا الْغِيَابِ.


(88)
أَنِزُّ كَنَافُورَةٍ
أَنَا الْمُشْتَعِلُ عَلَى سَاقَيْكِ فِي أَنْخَابِهَا
أَعْرِفُ
أَنَّكِ سَتَأْخُذِينَنِي
إِلَى مِنْسَجِ الأَعَاصِيرِ
إِلِى الصَّبَاحَاتِ الَّتِي تَتَهَنْدَمُ بِكِ
إِلَى شُرُودِكِ الْمَنْثُورِ عَلَى كَفِّي
إِذَنْ
تَمَهَّلِي قَلِيلاً
لأَتْبَعَكِ.


(89)
فِي إِضَاءَةِ الْمَسَاءِ
هَذَهِ الإضَاءَةُ الْمُتَسَلِّلَةُ بَيْنَ نَهْدَتَيْنِ مِنَ الثِّقَةِ
عَلَى تَعْرِيشَةِ أُنْثَى تَسْبَحُ فِي بُحَيْرَةِ أَوْتَارِهَا
………….
………….
قُلْتِ : أُشَارِكُكَ الْحَلِيبَ !
.
.
يَا لَهَا مِن وَسَامَةٍ
تُشْبِهُ عَيْنَيْكِ!.


(90)
أَدْخُلُ
شَهِيَ الرُّوحِ
إِلَى طَلْعِكِ الاسْتِوَائيِّ
وَعَلَى عَتَبَاتِ قَمِيصِكِ الْعُشْبِيِّ
أَتْرُكُ
الْبَحْرَ عَارِيَاً
كَضِلْعٍ يُوقِدُ غَابَةُ
فِي فَمِكِ.


(91)
أَشُمُّ رَقْصَةَ الْبَحْرِ
عَبْرَهَا تَمُرُّ مَمَالِكُ الْقَرَنْفُلِ
يَمُرُّ دَمِي
تَمُرُّ أُخْيُولَتِي
عَلَى سُلَّمَيْنِ مِنَ الرِّيشِ
فَأَشْهَقُ
مِنْ فَرْطِ الْقَصِيدَةِ فِي مِحْرَابِهَا.


(92)
الأَشْيَاءُ الَّتِي لا تُرَى
حِينَ تَسْتَفِيقُ مُشْتَبِكَةً بِأُوركِيدَةِ أَنْفَاسِكِ
تُقْلِقُنِي
…………
…………
كَأَنَّكِ بُرْعُمٌ يَتَبَرَّجُ بِالشَّمْسِ
كَأَنَّكِ خَجَلُ النَّبِيذِ
قَبْلَ
أُورْكِسْتِرَا الْمِزْهَرِيَّاتِ
الْمَاكِرَةِ.


(93)
كَقِدِّيسٍ يُصَلِّي بِارْتِجَافِ الْيَقِينِ
تَتَكِئُ الْقَنَادِيلُ
هُنَا
عَلَى ثَوْبِهَا الْمَسَائِيِّ
عَلَى أَكِيدِ جُنُونِي
تَسْحَقُنِي النَّشْوَةُ الْمُطْمَئِنَةُ فِي اِخْضِرَارِهَا
ثُمَّ تَخُضُّ اِحْتِرَاقِي
قُلْتُ: يَا لِهَذَا الصَّفَاءِ الأَخْضَرِ
مُنْذُ سَرَابَيْنِ
كَفَرَاشَةٍ مَذْعُورَةٍ
يَذْبَحُ يَنَابِيعِي
وَيَمْضِي.


(94)
سَأَنْتَظِرُ عَامَاً آخَرَ
وَأُنْثَى يَتَوَجَّعُ الْعِطُرُ مِنْ لَذَّةِ عُنْقِهَا
سَأَبْدُو عَلَيْها
شَاحِبَاً
كَلَحْنٍ جَنَائِزِيٍّ فِي كَنِيسَةٍ مَهْجُورَةٍ
عَامَاً طَوِيلاً وَمُرْبِكَاً
مِثْلَكِ
.
.
أَنَا
الْعَاشِقُ ذُو الْحِكْمَةِ الصَّائِبَةِ.


(95)
بَعِيدَاً
عَلَى أَرِيكَةِ اللَّيْلِ
وَدُونَ خَوْفٍ
أَنَا وأَنْتِ
بِعِنَاقٍ جَارِفٍ
نُذَوِّبُ كُحْلَ سَوْسَنَةٍ
نُقَطِّرُ أغنيةً لِرِيشَةِ الْبَحْرِ
وَنَحْتَسِي الْحَيَاةَ
بِغِبْطَةِ عَاشِقَيْنِ.


(96)
أَلُوذُ
بِضَوْءِ نَافِذَةٍ تَنَامُ
عَلى
صَدْرِ وَرْدَةٍ
أَقِيسُ بِهَا صَرْخَةَ الْغِيَابِ
طِلاءَ أظَافِرِكِ
الأَنِيقَةَ
وبِأُغْنِيَةٍ مِنَ الْجَمْرِ
أَغْمِزُ لِلْعَصَافِيرِ
أَنْ تَدُّلَنِي
عَلَى أَسْرَارِكِ
الْكَامِلَةِ.


(97)
أَيَّتُهَا الْعَرَّافَةُ
حِينَ تُبَارِكُنِي أَنَامِلُكِ
أَرْفَعُ جَذْوَتَيْنِ مِنْ ظَمَأٍ
………..
………..
أَشْرَبُكِ
وأَنْتِ
تَنْقَعِينَ رُوحِي
مِثْلَ رَائِحَةِ الطُّبُولِ
حَلِيبَاً لِفِطْرَتِي
الأِفْرِيقِيَّةِ.


(98)
تُمْسِكِينَ بِاشْتِعَالِ سُمْرَتِي
وَالْفَوَانِيسُ الَّتِي تَضِجُ بِعَطَشِ الْخُلُودِ
مِثْلُ عَيْنَيْكِ
تُرَاقِصُ الشَّوَارِعَ
وَتُمْسِكُ
بِأَطْرَافِ ضُلُوعِي
.
.
حِينَهَا أَرِانِيَ حَدِيقَةً وَنَايَاً
أَرِانِيَ …
سَمِّهَا نِيرفَانَا الْعَاشِقِينَ؟.


(99)
كُلُّ لَيْلَةٍ
أُبِيحُ لَكِ ثِمَرَةَ الْمَانْغُرُوفِ فِي اِسْتِدَارَتِهَا
أُبِيحُ لَكِ كَرْنَفَالَ مَوْجَةٍ
تَنَفَّسَتْ
صَبَاحَكِ الْبَحْرِيِّ
وَأَجْلَسَتْكِ
كَرَشْفَةٍ عَارِيَةِ الصَّدْرِ
عِنْدَ
عَشَائِيَّ الأَخِيرِ.


(100)
اللَّيْلَةَ
بِخَوْفِ عَاشِقٍ دُونَ حَكْمَةٍ
أَنْثُرُ نَبْضِيَ عَلَى ثَوْبٍ يَنْحَسِرُ
خَفِيفَاً
إِلَى
حَقْلِ عِطْرِكِ
………
………
عِطْرُكِ الْمَزْرُوعُ بِالْفَوْضَى
كَأَنَّنِي عَلَى ثَلاثِينَ شمعةٍ
أَمُوتُ
لِيُعِيدَنِي الْبَحْرُ
إلَيْكِ.


خَاتِمَةٌ
الْعَاشِقُ أَوَّلُ مَن يَمُـــــوتُ
آخِرُ مَن يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ.



* شاعر من السودان

- لُؤْلُؤَةٌ تَمْضِي إِلى جَمْرِهَا (مجموعة شعرية )
عادل سعد يوسف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى