آصف فيصل - صَفِرتْ وِطابُهُ

قَمَسَت الاكَامُ والقِنَانُ في السَّرَاب بَعْدَ رِحْلةٍ مُضْنِيةٍ ، لم نَتَرَبَّعَ فَوْقَ الأَكَمَةِ بل مِتْنَا فحَسْب!
أَشاحَتْ الْحَيَاة وَجْهَها دونَهُ ، أَبْلَغَتهُ بقِحَةٍ : لأَفُشَّنَّ وَطْبَكَ أيُّهَا المُتَعَجْرِف! فاسْتَأْصَلَت جَمِيعَ مَصَادِر إِشْباعِ جُرْحَهُ النَّرْجِسِيّ ، حِينْها صَارَ المَوْتَ حُلْمًا شَهيّاً ، كَمْ هُوَ صَادِم للْحَيَاةِ أنْ تَعْلَمَ أنَّ فِكْرَةَ الاِسْتِغْناءَ عَنْهَا بَسِيطَةٌ لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ ، كِبْرِياءُ النَّرْجِسِيّ لَنْ تَكْسِرهُ رَهْبَة المَوْت حَتَّى ، إنَّ الرَغْبَة فِي المَوْت هي رَغْبَةٌ فِي الإِسْتِحْدَاثِ و الْخُلُودِ و لَيْسَ الهَلاَك.
عَبْرَ الكِتَابَةِ فَقَطْ كَانَ يَتَمَكَّنَ مِن مُوَاجَهةِ المَوْت فِي كُلِّ سَطْر بِلا خَشْيَة ، كَانَ يُحْدِّد كَيْفَ و مَتَى سَيَمُوتُ ، مُمْتِع للغَايَة أنْ تَخُطَّ قَدَرَكَ و تُعَدِّل فِيه كَيْفَمَا تَشَاءُ .
وَبَّخ خَطْوَاتِه الَّتِي إِقْتَفَت أَثَرَهُ أَيْنَمَا حَلَّ ، كَانَ يَمْتَعِض مِن كُلِّ شَيْء يَتَحَوَّل تَحْدِيداً تِلْكُمْ الَّتِي تُجَدِّدَ هَيْئَتِها كرَقْشَاءُ الأُفْعُوانِ بِصُورَةٍ إِعْتِيَاديّةٍ كَأَنْه لمْ يَحْدُثَ شَيْء ، تِلْكُمْ الأَشْيَاء الَّتِي تَمْنَعُنا مِن مُعَاتَبَتِها على تَأَسُّنِ وُدُّها عَلَيْنَا . اِنَّه وَفِيّ للمَوْتِ عِوَضَاً عَنْ جَمِيعَ إغْرَاءِاتِ الْحَيَاة ؛ لإنَّ المَوْتَ لا يَتَلَوَّنَ ولا يَتَبَدَّلَ ، يَحْضُرُ دُفْعَةً وَاحِدَةً ، تَرْقَبُه و يَرْقَبُكَ ، يَحْمِل أيّ شَيْء فَوْرًا دُونَ عَوْدَة ، مَا أَعْطَفُ المَوْتَ .
حِينْ يَخْلُدَ النَّاسُ مُطْمَئِنِّينَ للنَوْمِ يَبْقَى صَاحٍ مُتَهَجِّداً يَعُدَّ لِلْعَالَمِ هَفْواتِه و يُفَصِّلَ زلَّاتِه ، يَتَوَلَّى حِرْفَة المَسْؤُول عَنْهُ مَع أنَّه زَهِيد الخِبْرَةِ . لمْ يُذْهَلَ بحَدَثٍ مُنْذُ وَقْتٍ سَحِيق ، حِينْ يَتَلَقَّى أَنْبَاءً حَزِينَةً يَسْكُت و يَصْطَنِعَ الذُهُول و الإِسْتِياءَ ، و حِينْ يَتَلَقَّى أَنْبَاءً مُفْرِحةً يَسْكُت و يَصْطَنِعَ الذُهُول و التَّفَاؤُلِ ، و فِي كُلِّ الأَوَضْاعِ إِدَّخَرَ تَعْبِيراتٍ حَتَّى لا يُضَيِّعَ الأَناقَةَ .

لا تَبْدَأَ الْحَيَاةِ بصَرْخَةٍ بَل تَنْتَهِي بِها ، و فِي المُنْتَصَفِ مُجَازَفَة أَيْلُولَتُها اللاَشَيْءَ .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى