رشدي العامل - وطني..

وقد مات المغني
هل نستعيد حكاية السنوات عاريةٍ
بلا وترٍ يرافقها
ولا صوتٍ يغني
هل تعبر الايام ارصفة الشوارع
أوجه الاطفال ، اثقال الرجال
وكوةً في باب سجني
منها أرى أمي واصحابي
ومنها يدفع السجان لي خبزي وكفاف اليوم
منها ترحل السنوات عني
وتعود مثقلة السلال
أعود طفلاً ، اسرق التفاح من بستان جارتنا
وامنحه الصبايا
طفلاً بريئاً الثغ الراءات ، تفتنه الحكايا
والنهر والناعور ، والبلم الفراتي الجميل
تلهو به الامواج عابثة
وجبهته تميل
جذلى الى ضفةٍ تلألأ كالمرايا
والارض اغنية ، وعاشقة وبيت
والسفح مرتكن على الربوات
تحضنه الورود
والارض جذلى ، والسماء قريبة منا
وضحكتها وعود
والارض جارية ولود
****************
أنأى، وترحل عنى الخطوات مسرعة
وترتعش المرايا
وجهي ووجهك ضائعان
فأنت في احدى الزوايا
متيبس العينين مهجور
ووجهي في الدروب بلا عيون
أتوكأ الخمسين ،
والايام دائرة
وباب السجن دوني
يا بؤس ما اجترحت يدايا
يا زيف ما سترته اضلاعي
وما خلقت ظنوني
هلا هربت إليّ مني
وتركت باب البيت مفتوحا ،
شباكاً يطل على الحديقه
يرنو وتعشو مقلتاي
أعاشق ينسى طريقه؟
اتهجس العتبات كالاعمى
وأعثر بالحجارة
اواه لو مدت أناملها ،
ولو خفقت ستارة
لصرخت ملء صديد جرحي
أنا ذا وليدك ، قد رجعت
فلم عيونك انكرتني
ولم اصطبرت ، ألوب من ظمئي
وأقتات الحجاره
ورفعت اسمالي إلى عينيك شاره
****************
نحن ارتجفنا
مثلما اخذت أغانينا أصابع عازف القيثار
شدت ، ثم أرخت جرحها الاوتار ،
وانهدل النزيف
نهير صبح ملء حنجرة المغني
يا ويل ما صنع المغني
آهاته ، والبحة الخرساء سكين تقطعني
فأصرخ كاللديغ : اليك عني
يا موطنا ً، انا قد نسيت ،
فخل جرحي يلئم الأهداب
خل الحلم يهجرني وينأى
ودع المرافئ تحبس الامواج عن شفتي وعيني
هزمتني الاحلام ،
تقصي ما أرادوه وتدني
تعبت مزاميري ،
فبعت أصابعي، وكسرت دني
ورجعت ملتحفاً ضباب الليل ، في وطني ، كأني
في الفجر، ما ناغيت غبشته ،
ولا أبصرت مرأى
****************
دليني درباً لا يفضي للنهر ،
فلا يعبر جسراً ،
درباً يلتف على الرمل ، ويوغل في الصحراء
مهجوراً تحت الشمس بلا ظل او ماء
اخطو فيه بريئاً من كل ذنوب العشق
وامضي حتى آخر نجمٍ
اقتات النور والتحف الظلماء
دلني ارضاً
دليني أرضاً لا تسجن فيها الاشياء
لا تطرد منها الريح
ويدفن فيها الضوء
وتحبس حتى الاشذاء
لا يتوزع فيها الناس ولاةً وارقاء
والنسوة يتوزعن عذارى واماء
دليني وطناً لا يعرف معنى الاسماء
****************
اذهلت خطاي إلى أين تبعثرني؟
وإلى أي الصلبان
تسلمني ، تغرس مسمارك في بدني ؟
قبلت ثراك ،
زرعت القلب على ضفتيك
سفحت دمي في نهريك
غسلت خطاياك
ومسحت جروحك بالزيت
ولكنك تنكرني
****************
ماذا يفعله العاشق في الدرب
اذا انسد الشباك على الضوء
وأرخى معطفه الليل ؟
وإلى اين تهاجر اغنية يكتمها القيثار ؟
وعلى أي وسادٍ يغفو طفل محروم
وإلى أي رصيفٍ يأوي رجل مهزوم
يا ويلي غطانا الليل
وأدركنا السيل
****************
يا عابر جسر الموت تمهل
فالدرب طويل ، والليلة ظلماء
أعطيك حياتي ، لو اعطيت عيوني وطناً
المحه لحظة عشق وأموت
أعطيك دمي لو تمنحني قطرة ماء
من ذاك الماء
في أعلى النهر
ولو قبل الدفن فتحت التابوت
وسحبت على وجهي من سعف النخل غطاء
وهمست بأن الراحل عاد إلى المرفأ
والغائب جاء
وبأن القمر الفضي وجا بطن الحوت
مطر ورذاذ
كان الصبح ندياً اجمل في واديك
وكان الليل الراحل أرفق بالاطفال
والنهر ارق
واعذب ما في انهار الدنيا من ماء
وصباياك على الجرف
يغازلهن الضوء
وموال في رجة مجذاف
كان الصمت طليقا فوق سفوحك ،
والصمت حفياً في اضلع اهلك ،
والحب رخياً في صدرك ،
والرب قريباً منك ،
فأين "الزمن المفقود"؟
مطر، ورصاص
ورماد...
ما ابقيت لاهلك شيئاً يا وطني ؟
****************
هل انت النار،
وقلبي حطب يغمره الزيت ولايحترق ؟
ام انت المصلوب ، ومسمار الصلب ؟
وانت العافية الكبرى والداء
انت الجرح بصدري ،
وانا النزف الدافئ لا يبرده الماء
انت الشوك النابت في الصحراء
انت الوهم
وانت الحلم
وانت الموت ونبض الاشياء
ادعوك الى بستاني ،
لكن عيونك مغمضة خلف القضبان
ادعوك الى خبزي ونبيذي
وأعمدُ بالدم اقدامك ،
لكنك باق في قبضة سجانيك
ادعوك الى مائدة الحب
وعرس الاشجار
ولكن شفاهك أيبسها الظمأ القاتل والملح
يا طفلاً زرعوا اقدامك بين الجدران
عصبوا عينيك وحيداً بين المبضع والجرح
اقرب منك
اخض الدم في اعراقك
لكنك تنأى
الريح تعاند صمت البحر
وانت تكابر
واللعبة يخطفها طفل منك ويدحرجها للنهر
وراء السد
والقمر الغائب اخفاه الحوت
فلا تنتظر المد
جنحت كل الاشرعة البيض الى المرفأ ،
وانسل النوم الى السفن المهجورة
تيّم بحارتها العشق
فهاموا في الارض ،
وعادوا للبحر يمدون جسور النسيان
وتواروا بين الجزر المجهولة والخلجان
والريح تراوغ ، والموج
عيون الربان
افأنت الطالع من صدر الغيب
يقاسمني خبز الصبر ويطعمني الوعد
ام انت الفعل المحذوف. بكل لغات الدنيا
والاسم الغائب عن قاموس الكلمات
واللون الغامض في جسد الرؤيا ؟
****************
انك انت الجسد المصلوب
والغالب انت
ولكنك مغلوب
في زمن المدن المحروثة
والكون المقلوب
انت الخالق والمخلوق
وانت الاول والآخر ، والكلمة
في سفر التكوين ،
وفي رقم الاحياء
انت المتحرك والساكن
والفعل الحاضر والاتي
والنور المتلألئ في الاسماء
والفجر المتألق ، والليل الداكن
والقادم في الجمر اللاهب
والسائر فوق الماء
والزمن المتواصل في الاشياء
ولكنك لا تدري
****************
ماذا في ذاكرة العصر
سوى وجهك في الريح ،
وفي الزمن الاتي
غير الوهم بعينيك
يا كهف الاحلام
اما تعبت عيناك من التحديق
وايبست الصلوات الخمس
وترتيلك انجيل المنفى شفتيك
****************
المركب يدفع صدر الموج
وتدفعه الريح
والبحر فضاءٌ
لا يعرف شكل الابعاد
والالوان تداخل
والاسماك تقافز في شبك الصياد
هذا مأواك
لا تنقل عينيك
ولا تبحث عن مأوى في الارض سواك
****************
تتنزه وحدك، كالشبح العائد
تصرخ وحدك في صحراء الليل
تضرع وحدك في بستان الله
وتنتظر السيل
ترقب معجزة ،
لا يلقاك سوى الماء الراكد
رحلت قافلة الاحياء
فخل الاطفال ينامون
وارجع من حيث أتيت
وخل الاموات يوارون الموتى
ويموتون
****************
لن تعرفها لو عدت اليها
تلك الساحات ،
وحانات الليل
وضحك الاصحاب
فالمدن الصخرية غيرت الارقام على الابواب
وبيوت الازياء العصرية
وحدت الاثواب
وانتقلت اشجار الغابات الى ورش الاخشاب
والشمس توارت في السرداب
والقمر الشاحب
وزعه بالمفرد تجار الاسلاب
او شحة ومناديلا
ودمىً وقناديلا
ما ظل سوأل دون جواب
ما بقيت قافية في الشعر
ولا أغنية في القيثار
ولا قطرة خمر في الاكواب
هجرت "فيروز" ملاعبة الجرح
عتابا ، ومواويلا
والقيثار يطل من الشباك
فلا يسمع ترتيلا
والنجم القطبي الثابت
فر من المحراب
****************
صبح بنافذتي ،
ونوم في عيونك
كيف اوقظ جرحك الغافي
وكيف اسل من اهدابه نزفا تخثر ؟
والجرح جرحي ،
والضماد ثياب عرسك
ايها الوطن المخدر
اطعمتني ما ظل في كفيك من خبز وملح
ونسجت من سعفاتك الخضراء لي ،
كفناً ومئزر ومنحتني الرؤيا ،
فصلى الله فوق رماد جرحي
وبكى ، فبلَّ الدمع اهدابي
وباركني وكبر
يا ايها الوطن المخدر
يا سائراً في النوم
ما وخزتك سكين
وما صحاك خنجر
يا ايها النهر المسّور
ظمئت بساتين الشفاه
واذبل العطش الحناجر
وبدت عروق النخل نافرة
مبعثرة الضفائر
يا أيها "البيت المدور"
غاضت بحور الشعر
والكلمات غاضبة
وفي رئة القوافي
سل يمزقها ،
ودمع في مآقيها تحجر
لانجم يؤنسها
ولا لون الصباح الغض اشقر
فتأوهت في البرد
لائذة على رمل الضفاف
وتنفست والغيظ يخنق صوتها ،
الله اكبر
هل تسمعين الريح ؟
هل تبصرين الطائر الذبيح ؟
عيونه مغمضة
جناحه كسيح
اتعبه التبريح
ناداه سرب عابر.. وغادرته الريح
دعيه في غفوته البيضاء،
يستريح.
أعلى