عبد الرحمن مقلد - مَوعِظَةُ الرِحْلَة..

نَمَا فى مُخَيلَتى كالنَباتِ
تَنزَّهَ فى أُفُقي
كالسَّحابةِ فى الصَيفِ
نَامَ على كَومِ قَشٍ
بحُجرةِ رُوحِى الصَغيرةِ
هذا المُسافرُ والشَّاحِبُ الوَجْهِ
هذا النبيُّ الذى تَستقِرُّ على كَتفَيْهِ العَلاماتُ
والمُعْجِزَاتُ تَشبُّ على قَدمَيْهِ
ويقُعُدُ فى مقْعَدٍ بجِواري
كأيِّ غَريبٍ يُسافرُ فى الليلِ
يَغفو عَلى كَتفِى ثم يَصْحُو
النبىُّ الذى لم نُعِرْهُ انتباهًا
ونحنُ نَسَافِرُ فى الأَرْضِ..
رَحَّالةٌ فُقراءُ..
نُصَلِّى ليتركَنَا الحَظُّ
حتى نَعودَ لأعَشاشِنا..
ونُدققَ فى أَوجهِ الأهلِ..
نحفظَ أسماءَ أبنائِنا جيدًا..
لا تُخَلى لنا المِهنُ اليَدويةُ أيةَ ذاكرةٍ..

فى "المَواقِفِ" تَجمعُنا نَدهاتُ السّعَاةِ
وآذَانُنا تَتَسمَّعُ أَحرفَ بَلدتِنا الأُمِّ
والنومُ يَأكُلُ أعينَنا..
عند آخرِ رَحَّالةٍ يَتبَوأُ مَقعدَه..
نَحمدُ اللهَ..
نَختبِرُ الجَوَّ
قد تُمطِرُ الآن هذى السَماءُ وقد لا..
فمن يَصفُ الحَالَ
ـ حالَ السماءِـ
سِواك
ومن يَضمَنُ العَجلاتِ
ومن يَترفَّقُ بالوقتِ غيرُ نَبيِّ
ونحن نَشدُّ هواتفَنا بغناءٍ سَريعٍ
فمن يَتألمُ فينا ويَصرخُ:
"يا إخوتى إنَّ هذا الذى نَتَجَلَّى به
لا تُناسبُه القَفزاتُ..
هنا أَوقفَ اللهُ رَحالةً موقفَ الصَمتِ..
لا تُفسدُوهُ"..
وأدخلَنا فى التَأملِ
لا تَنفعُ الرِحْلةُ الآنَ دونَ نبيِّ
يُعلِّمنُا كيفَ نَحترِمُ الليلَ
والرَحلاتِ الكثيرةَ
تلك التى تَتكرَّرُ كلَّ خميسٍ
إلى البَيتِ
ندخلُها حالِمين ونخرُجُ منها مَطاريدَ
من يَضمنُ الحَظَّ ألا يَخونَ
وتنقلبَ الحَافلاتُ بنا
بَعدُ لن يقلبَ اللهُ أيةَ حافلةٍ
يَتكوَّمُ فيها نبيٌّ ببدْءِ رِسالتِه
ويُسافرُ فى الليلِ
لم نَعرفِ الغيبَ بَعدُ
ليُخرِجَ يُمناه بيضاءَ
من غيرِ سوءٍ
ويَمشى على جَانبِ السورِ
يَستمعُ الوحْيَ
حتى تحينَ نِهايته فندقُّ الصليبَ
ولَكِنه لَإذَ بالصَمتِ
أشْبَه بالببغَاءِ الذى فقدَ السمْعَ
حينًا يَرى الناسَ
عبرَ الشبابيكِ تُعمِلُ أفواهَها
فيقلِّدُها بالشفاهِ
التى لا تدلُّ على أى شيءٍ
لذا لم نُعرْهُ انتباهًا
ونحنُ نَطوفُ كرَحَّالة فُقَراءَ..
تُجمِّعُنا النَبراتُ السَريعةُ..
نَعملُ فى المُدنِ الدَاخليةِ أسرى لنطعمَ أولادَنا..
ونُخلِى النساءَ تَموتُ من الشَبقِ المُتأججِ
والطعناتِ التى تُتعبُ الظَهرَ..
نَخرجُ فى الحَافلاتِ ـ الحَوانيتِ..
نَرجُوا من السَائقينَ التَمهلَ فى السَيرِ..
نُرجوا من اللهِ أن تَنتهى الرَحلاتُ
ونحن لذلك نَحترمُ الأنبياءَ المَساكينَ
مثل الذى فى جِواري
ويَسعلُ كألفقراءِ الذين ينامون فى العَرباتِ
ولكننا لم نُعِرْهُ انتباها
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى