عفاف السيد - شعر قصير

* إهداء : إلى أمي و أبي حيثما كانا

_ سأقص شعرى .......

_لأ .

أميرة هى أمى ،جريئة وصارمة ، وقد قالت..لا ، ثم طوحت ضفائري فى الهواء فلم ادر ماذا افعل بشعرى عندما أكبر

سألتها ذات مرة :

_ ماذا سأفعل بشعري عندما أكبر ؟ !!!

وكانت تجلس امام تسريحتها تشذب ما نفر من خصلات شعرها المتمرد الذى لونته بالحناء والكركديه ، فأضحت له حمرة محببة وألفة ، ترسله حراً فتتسابق تموجاته مع الهواء الخفيف وقت العصر حين كانت تفرغ من همومنا وتجلس فى الشرفة المطلة على الحديقة التى تتوسط البيوت .

أقبع خلفها مباشرة وقد التصقتُ بالحائط ، أتطلع الى ما وراء شرفة صلاح ، تتحدث امى مع خالتى أم صلاح وصوت الكرة يجلجل فى الطرقات مع أصوات الصبيان ، اقترب منها أكثر لألمس ذراعها ، تنظر من فوق كتفها ويدها تداعب شعرها فأقول بتصميم خائف :

_ سأقص شعرى ...!

لا ترد علىّ هذه المرة وتكمل حديثها مع خالتى أم صلاح عبر الشرفات فأقرر أن أعاقبها .

أنزوي بين الحائط والدولاب واخفى وجهى بين ركبتىّ ولا احسب كم من الوقت التزمتُ الوضع الجنينى ، لكنها لم تأسف على تعسفها ولم تحاول أن تتفهم دوافعي وأنا مازلت لا اعرف ماذا سأفعل بشعري عندما اكبر .

ناداني أبى ولم أرد ، جذب يدي وكانت دموعى قد تجمدت واخذنى النوم الى نفسى وقد تخلصت من ضفائري الطويلة وسقطت الخصلات المقصوصة على جبهتى وعنقى وجريت كما يحلو لي وأنا العب الكرة مع الأولاد فلا يجذبوننى من شعرى حينما أسدد الكرة فى مرماهم ، ولا يتصايحون على صحابى ويقولون :

_ هدافكم بنت ......

ثم يسمون فريقنا باسمي ، فيغضب أصحابي منى لأنى أجعلهم يفوزون ، والجميع يصرخون فى :

_ اذهبى ، مشطى شعرك أو العبى بالعروسة مع البنات او اقعدي عند أمك ........

يحملنىأ بى الى مفآجأته التى دائما ما يدهشنى كيف خمن أنها ستفرحنى ، اجد الدراجة التى تمنيتها ولم افصح ، يضعني عليها وروحه حولى تعلمنى كيف أضع قدمىّ على البدال وأفرد ظهرى وأنطلق بشموخ ، يترك الحيز حولى وألمحه بروحى مبتسما وفارداً ذراعيه كى يعدّل مسارى فلا أسقط ، ويقول :

_ انتى فارسة يا حلوتى .

أجوب الطرقات فى الحى بالدراجة ، ولا أنسى شموخى واستنادي الى أخلاق الفارسات وأنا أتعامل مع الاولاد المتجمعين حولى .

تنادينى أميرة فأترك شموخى وتميزى وسط الصبيان وأسير خلفها الى الحمام ، تفكك ضفائرى فأكره ملمس شعرى ، احمله لأعلى رأسي ولكنها تقول :

_شعرك جميل يا وردتى ......

اسألها :

_ ماذا سأفعل بشعرى عندما أكبر ؟!!

أترك كل شى واذهب إليها ، جدتي ، كانت تلم شعرها الكستنائى الناعم فى ايشارب اسود تعقده على رأسها بخرزات خضراء تلمع مع عينيها البنيتين الواسعتين وبشرتها اللامعة الحمرة ، تأخذنى جدتى فى حضنها فتعبق روحى بالبخور الذى يميز بيتها ، اجلس الى جانبها فتعطينى قصاصات من الأقمشة الملونة وتقول :

_ خدى يا ورد اعملي فساتين لعروستك

أجيبها : ليس عندى عروسة يا جدتى .

تقول : انتظري ، سأصنع لك عروسة .

_ لا أحب العروسة يا جدتى ، سألعب بالكرة مع اصحابى

_ عيب يا ورد ، انت بنت ، الكورة للصبيان .

تطوى جدتى سجادة الصلاة وتترك سحابات الروائح المميزة ، وتضع على رأسها طرحتها السوداء وتسدلها على وجهها وتلملم نفسها فى أثوابها ونخرج ، أقودها فى الطرقات فلا تعرف أصحابى حين يسلمون عليها .

أقول لها : هل كنتى تلعبين الكرة يا جدة ؟

تضحك وتقول : لأ ، تزوجت وانا صغيرة يا بنت بنتى .

أخبرها اننى لن أتزوج أبدا .

يطول شعرى بعدد سنوات العمر،اترك الدراجة خلف الباب واترك اصحابى يلعبون بالكرة وأصعد درجات السلم الخشبى باحثة عن نيتشة والفارابي وتولستوى والحلاج وجويا وميريت اتون وطه حسين وأتوم وجدتى الملكة تى .

تصفق امى بشدة من وسط الحضور حين تسمع اسمى

"الدكتورة ورد" ومن خلف المنصة المحه ، أبى ، يضمني بعينيه اللامعتين بالمحبة .

ألقى خصلات شعرى الطويل خلف ظهرى واقرأ ....

البنت الحلوة

دائما اسمها ورد

تدفع الدراجة بنبل فارسة

فيطيّر الهواء شعرها الرائع

القصير

ولا تجد حرجا

حين يناديها الصبيان

يا بنت ....

وتسدد فى مرماهم

كثيرا من الأهداف .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى