نزيه أبو عفش - الناجيةُ مِن حياتِها..

صبيحةَ هذا اليوم (الأربعاء 25/11/2015) تذكّرتُ أمّي.
تذكّرتُها وقلتُ: ما أسعدها!
لم تمت مذبوحةً، أو مُعلّقةً في حبلِ مشنقة.
لم تُعانِ من عذابِ الـجَـلدِ أو الرجم، ولم يَتَهدَّدها أحدٌ بالاغتصاب.
لم يَتَفتّتْ لحمها بقذيفةٍ، ولا دُفِـنتْ حيّـةً تحت أنقاضِ مدرسةٍ أو ملجأ.
ماتت لأن الموتَ أَدركَها.. لا أكثر.
ماتت في بيتها، وعلى سريرها.
ماتت بلا ألمٍ ولا خوف.
ماتت.. بالموت.
الأمواتُ لا يتألّمون.
الأمواتُ لا يَشْكون من مرضٍ، أو فاقةٍ، أو لسعةِ فقدان.
الأمواتُ لا يَحزنون (لا على أنفسهم، ولا على مَن يحزنون لغيابهم).
الأمواتُ لا يخافون أن يقعوا في كمائنِ أعدائهم أو أصحابهم، وتُـحَـزَّ أعناقُهم بالسيوفِ، أو تُبقَرَ بطونُهم بالحرابِ والسكاكين.
الأمواتُ لا يندمون، ولا يَتحسّرون، ولا يقولون: " لو...."
الأمواتُ لا تَسيلُ الدموعُ مِن أحداقهم، والغصّاتُ من قلوبهم، كلما تذكّروا أبناءَهم وأحفادَهم المهاجرين، أو أولئك الذين تأخّروا في العودة إلى البيت بعد وقوعِ الانفجار
(أصلاً: الأمواتُ، مثلهم مثل الآلهة، لا أبناءَ ولا أحفادَ لهم).
الأمواتُ أكثرُ الناس هناءةً، وأوفرهم حظّاً.
الأمواتُ خالدون في أحلامِ جثامينهم.
الأمواتُ لا يموتون.
..
أمّي! يا أمي التي لم تَعدْ بيننا!
يا أمي التي لم تَعدْ حزينةً ولا خائفةْ!
يا أمي التي لم يَعدْ يَتَهدَّدها الموتُ أبداً :
مباركٌ لكِ موتُكْ.
.
نزيه ابو عفش
أعلى