أمل الكردفاني- العمود- قصة قصيرة

...تحت ظل هذا العمود، باعدت بين فخذيها، فقفز هو من داخل أحشائها إلى الخارج.
العمود مكتوب عليه كلمات نابية، الصبية المراهقون يأتونها ليلاً وينفقون بضعة جنيهات ليكتبوا، لقد كان هو حرفاً لمؤلف ما...
..سألها احد المراهقين: ما اسم ابنك. لكنها حارت جواباً، فضحك الصبي حتى بال عليها. غمغمت: هل الاسم ضروري؟
هناك ثلاثة أشياء نشأ عليها وعيه، أمه، أحد المراهقين ينام معها كل ليلة تحت العمود، والعمود...لكنه لم يع أبداً أنه بلا اسم...
وحين كان يراقبها وهي تحتضر، همست له: لا تجعلهم يغسلونني عندما اموت، اغسلني أنت، هناك نقود موزعة تحت ملابسي وفي ثوبي أيضا تجدها مصرورة ادخرتها لهذا اليوم..خذها وتصرف بها..
عندما أزلف المساء اسلمت الروح، فجردها من ملابسها وبدأ في جمع النقود..ووجد على فكها سناً فضية، فكسرها. وبعد أن انتهى اخبر شرطيين عابرين بالأمر.
ما اسم امك؟
بركة
وما اسمك؟
لا أعرف..
لا تعرف اسمك؟
لا أعرف..
قال الشرطي، يجب تشريح الجثة لكي نتمكن من دفنها..هذا هو القانون..
اضاف شرطي آخر: يجب أن نضعه أيضاً في اصلاحية..
نظر نحوه الشرطي الاول: ما شأننا به...
عاد للعمود، منتظراً الصبية...رأى احدهم يتسلل من الظلام:
- أين ذهبت؟
- ماتت...
أصيب المراهق بالصدمة وانهار باكياً ...
جاء آخر وثالث ورابع وخامس...وتكدست رؤوسهم المقطوعة على جانبيه...كان يقلب رؤوسهم ليرى أي علامة شبه بينه وبين ملامح أحدهم، ظل حائراً حتى وهو بين ذراعي الشرطة، كان يصيح: أحدهم هو والدي..
نظر إليه حارس الإصلاحية وقال: عمرك ثلاثة عشر عاماً، وأعمارهم لا تتجاوز السابعة عشر هل فعلوها مع أمك وهم رضع...
أضاف له الحارس وعياً جديداً عليه...فهناك اختلافات تحدث للبشر بين الماضي والحاضر.
يرتدون المريلة الصفراء المحاكة من قماش الدمورية. ويتوزعون على أركانها تحت ظلال جدران الملجأ ، صامتون كالغربان البيضاء فوق خرابة. يحصلون على صحن من العدس في الفطور والغداء والعشاء. ونبهه ذلك إلى وعي جديد بأن ليس هناك أنواع أخرى من الطعام.
أنفاس الحارس اختلطت بأنفاسه، وكان ذلك وعياً إضافياً بأنه يمكن أن يواصل عمل أمه.
وحين قفز من الاسلاك الشائكة، وهبط إلى شاطئ النهر، اخذ يحاذيه مشياً حتى اتسع النهر، ثم اتجه شرقاً، عبر الأرض الصخرية، وتسلق الجبال ثم بلغ مسطحاً واسعاً ورأى كميناً عسكرياً...فدار من حوله ووصل مشارف مدينة صغيرة.أدار بصره واختار عموداً يشبه وطنه القديم... جلس تحته وانتظر الصبية المراهقين بصبر يحسد عليه.

(تمت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى