عدي المختار - رغبة مجنونة.. قصة قصيرة

رغبة مجنونة

اهداء للمخرج الراحل مهدي حمدان

نهاية سنوات حرب البوابة الشرقية لوطن الضاد أعلن عزلته كأي محارب راح يستريح على الرغم من انه يكره الحرب والحروب ولكنه كان يرى فيهما ليل ونهار لابد منهما في بلد ليله سبات ونهاره ثرثرة .

طالما وقف طويلا وهو يرقب حركة أستاذه في كلية الفنون الجميلة على خشبة المسرح وهو يؤدي دور /عطيل/،يسحره الأستاذ بأدائه وعفويته وفهلوته الحركية

قال له أستاذه حينما ترجل عن خشبة المسرح ذات يوم

أي الأدوار تحب أن تؤدي ؟.................

استدرك وحاول أن يراوغ في الإجابة وقال له .

أنا ...........لا أحب الإيهام بقدر حبي لصنع الآخرين .......

ابتسم الأستاذ وهو يرى تلميذه يجيب بشكل غرائبي وقال له وهو يضع يده على كتفه ويمشي معه في باحة الكلية .

التمثيل ليس إيهام بل محاولة للفهم ....والإخراج ليس صنع بل وضع نقاط المضمون على حروف الشكل .

ابتسم وهو ينظر لوجه أستاذه بحياء وقال له .

يا دكتور .........لدي رغبة قد تكون مجنونة .

وما الجنون بالأمر يا بني؟؟

طالب مثلي في المرحلة الأولى ويرغب ب.................ان............

ربت الأستاذ على كتفه وقال له بتشجع .

كن شجاعا لان المسرح عوالم الشجعان يا بني تكلم ولا تخف .

يا دكتور ارغب بان اخرج مسرحية تكون بطلها أنت لان بطلها يشبهك تماما .

عم الصمت بينهما لبرهة وكلاهما ينظر بعين الأخر وكأنهما في مواجهة،حتى انفجر أستاذه بالضحك الهستيري وكلما يتوقف يعود للضحك مجددا حتى بدت عيناه كأنهما في كوة من جمر.....حمر يندلق منها الدمع كالطوفان، قال له الأستاذ وصوته يغط بين الحين والأخر بالضحك .

أنت ؟؟!!!!!!!!!!......تريد أن تخرج عمل انا بطله؟؟..ههههههههه...أكيد أنت مجنون .....أو جننت للتو ........

استدار أستاذه وراح يسير بعيدا عنه وهو يضحك ويتمتم بما قاله تلميذه،رغبة لم تتحقق حتى شكلت لديه عقدة /استاذية /فيما بعد،تذكر ذلك كله وهو يقف على خشبة مسرح مزركشة بالألوان والإنارة المختلفة والجمهور نجوم وصحفيون ونقاد،كان يستلم جائزته كأفضل مخرج مسرحي،تقدم نحو المايكروفون وهو يحمل جائزته وقال .

ثلاثون عاما من النجاح والجوائز ولازالت لدي ذات الرغبة بان اخرج عملا مسرحيا يكون فيه أستاذي الأول في الكلية آنذاك بطله.

ضحك الجميع لخفة دمه وروح الفكاهة،نزل يتفحص الوجوه،عله يجد أستاذه بين النجوم ليقول له بلغة العيون بأنه الأفضل.

رغبة بقيت في أعماقه حسرة تكبر يوما بعد يوم كأي حب صبا لم ينتهي نهاية سعيدة،كلما قلب نص العمل المسرحي الذي كان يرغب بأستاذه ان يكون بطله ويجري تدريباته عليه ويضع اللمسات الأخيرة للعرض يمزق النص وينهي التدريبات ويقطع وصله بالفرقة المسرحية،حتى يجري تدريباته على النص بفرقة مسرحية أخرى وينهي الأمر بذات الطريقة حتى بات عددها ثلاثون مرة يكمل فيها النص للعرض وينهيه بلا عرض حتى أعلن عزلته تلك .

اقتنع ذات يوم بان يخرج للعمل ويضع حدا لتلك الرغبة التي ما عادت مجنونة،فتح باب عزلته،اتصل بأحدهم،توجه حيث موعد اللقاء،حدائق نهر دجلة وسط مدينة العمارة، تشاورا،تناقشا اتفقا على موعد نهائي للتدريبات والعرض.

في صباح يوم جلد من صباحات صيف العراق اللاهية،أعلن بكاء المدينة ونواحها ان المخرج الكبير في المدينة أنهى رغبته المجنونة بالموت المفاجئ،منتصف تلك الليلة التي كان يحتضن فيها نصا مسرحيا للشاعر محمد الماغوط ،شيع بتابوت خشب على عمر كل ما كان فيه خشبة مسرح والجمهور مشيعون يحملون ذاك النص /الرغبة/ (المهرج) ،.............
وثمة احدهم أعلن عزلة جديدة لأن المخرج لم يتم بطولته له.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى