عصابات ثقافة.. شيءٌ ما يجري هناك - إعداد و ترجمة وتقديم: أنوار الأنوار ( أنوار سرحان)

إنهم فتيةٌ آمنوا بالقصيدة فحملوها معهم إلى السّاحات.
مجموعةٌ من الشعراء الشباب يهوداً وفلسطينيين من الداخل (48)، يشاركون في النضالات سياسياً واجتماعيّاً وإنسانياً، فيأتونها رفقة قصائدهم التي أبدعوها لأجلها.. ينشدون أشعارهم أمام بيتٍ عربيّ تهدمه السلطات الإسرائيلية (بذريعة عدم الاعتراف بشرعيته)، أو في حيّ كالشيخ جراح ما زالت دماء قضيته تنزف وسط نيران تلتهم الحقّ والإنسانية، وفي بيت حانون يطلقون صرخاتهم ضدّ الاستيطان وممارساته، وعند الجدار الفاصل يهتفون لهدمه، أو حتى في تظاهرةٍ على عتبة بنك إسرائيل اعتراضاً على تنكيلٍ اقتصاديّ بطبقاتٍ مسحوقة، وأمام مصنعٍ بيع عماله..
سيقول قائلٌ هذا ترويجٌ أو يقول آخر هذا موقف.. وأقول لا هذا ولا ذاك، إنما هي كوةٌ أخرى قد يعنينا أن نطلّ منها إلى من آمنوا بإنسانيّتهم واعتقدوا بالقصيدة والفنّ في تلك البقعة الصاخبة بالقهر، أرض السلام الموعودة للحروب، أرض المحبة الزاخرة بالأوجاع، أرض الله الفائضة منها الزعقات والصرخات..
فيا أيهذا المطلّ ها هنا لا تدخلنّ ، إلا محمّلاً بقلبٍ واسعٍ رحب يسع الأدب والفنّ والإنسان، وبذائقةٍ موضوعيةٍ تقرأ بعيونٍِ واسعةٍ ، ولا تخنق أفق رؤاها.
يطلقون على أنفسهم اسم “عصابات ثقافة” ، يتظهارون للتعبير عن آرائهم السياسية أو الاجتماعيّة شعراً، موسيقى أو فنّاًُ آخر. بعضهم من أصولٍ شرقيةٍ رأى في نفسه حاجةً تلحّ للعودة إلى الجذور والبحث عن اليهوديّ العربي فيه، سواء كان جدّه العراقيّ أو التونسيّ أو غيره، يتشبّث بجذورٍ للغةٍ وثقافةٍ طمسَها وجودُه في بيئة “متشكنزة” (تسوَّد فيها الثقافة الإشكنازية)، وبعضُهم عربيّ فلسطينيّ ذاق العنصرية مذ حمل جواز سفر محتلّه، ففقه مرارة طعمها وحمل وجع قضيّته بكلّ تداعياتها ووعي أنّ من حقّه أو واجبه (سيّان) أن يهدل بأوجاعه بلغة الظالم كي يُسمعه صوته، وبعضهم آمن أن الظلمَ واحدٌ وأنّ غبنَ الحق واحدٌ وأن حبسَ الحرية واحدٌ فحمل تماهيَه مع المرأة المقهورة أو العامل المظلوم في مصنعٍ سرق حقوقَه، أو العائل الفقير الذي قهرته سياساتٌ اقتصادية عفنة، فوزّعه ونشره فإذا هو يتماهى أيضاً مع بدويّ يُهدم بيته في قرى النقب أو فلسطينيّ آخر تسلط المستوطنون على بيته أو غيرهم ما دام القهر قهراً والظلم ظلماً أينما حلّ ووقع.
قد يتساءل أحدنا: وما الذي يحتاجه من سُرق بيته واغتُِصبت أرضه، أو هُدمت خيمته وهُجّر نكبةً بعد أخرى من قصيدة لن تمنحه مأوى بديلاً ولا حلاً؟؟ فيجيب آخر: إنه الشعر يا أخي.. إنها الكلمة، إنه الإنسان.

ألموج بيهار أحد الشعراء الناشطين قال لنا في حوارٍ عن “عصابات ثقافة” :
“أعتقد أن عصابات ثقافة ولدت من عمق الإحساس لدى جيلٍ كاملٍ منالشعراء بضرورة الربط بين النشاط الإبداعيّ وبين التعبير عن موقف سياسيّاجتماعيّ، في حالةٍتتزايد فيها في المجتمع الإسرائيليالأصواتُ الساعيةلإسكات كلّ رأيٍ مغاير . مواقف المبدعين ليست متجانسةً تماما ، ولكن أظنّأن معظمنا نرى ضرورة الدمج بين الاضطهاد الداخليّ في دولة إسرائيل ، ضدّالشرقيين، ضدّ العمال ذوي الأجور المنخفضة الذين يسعَون للنضال لنيلحقوقهم، ضدّ البدو في قراهم غير المعترف بها، وبين ما يجريمن وراء جدارالفصل المقام، للفلسطينيين في المناطق المحتلة، ومعظمنا نربط بين نوعين منالقمع والاضطهاد ، اقتصادي ( تحت غطاء الرأسمالية والعولمة) – ثقافيّ ( ضدالثقافة الشرقية والعربية)، وسياسيّ ( كما في الحروب الأخيرة في لبنان وقطاعغزة،والعمليات العسكرية ، مثلاً ضد السفينة التركية”.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى