عزت هشام عزت - الكلب الأخير على الأرض.. قصة قصيرة

بطريقةٍ ما تطور العلم إلى الحد الذي جعله يخترع آلة للتواصل مع الحيوان، نعم، هذا يحدث هنا، لا تتعجب، فهذه هي الحياة بعد مائتا عام، حيث إستفحل العلم وأصبح يخرق كل مستحيل، فقد توصل إلى كثير من الإنجازات الرائعة المبهرة، كآلة الزمن تلك التي سأرسل بها رسالتي إليك، فقد أصبح الماضي حاضرًا والمستقبل معلومًا، فأخبرك مثلًا عن إنجازات العلم لكي لا تهلع من مرور الزمن، فأنا أراسلك لأطمئنك، فنحن هنا مُرفهون للغاية، ننعم بالراحة والإسترخاء الدائمين، فلقد توصل العلم إلى صناعة روبوت ليس كذلك الذي صنعتموه، بل إنه نسخة إنسانية كاملة، مصممة ومبرمجة لتنفيذ الأوامر الصادرة عن صوت صاحبها، إنها رائعة يا صديقي، فهي تقوم بالكثير من المهام، ودون إطالة في شرح تلك المهام كونها تشمل كل شيء تقريبًا، دعني أعكس المرآة وأخبرك بما يقوم به الإنسان، فهذا يسير ولن يتخطى سطرين، فالإنسان هنا له وظيفتان فقط بخلاف الأساسيات (الأكل والنوم والمضاجعة) وهما إصدار الأوامر للروبوت المطيع الودود، والثانية لا أذكرها حقًا، فأنا لم أقم بها منذ وقتٍ طويل، أعرف صديقًا لي من ضمن هؤلاء الذين لا يعجبهم أي شيء، يشكو، فهو يضجره كثيرًا كونه يضطر للمشي بضع خطوات مغادرًا فراشه الناعم الدافيء لكي يذهب لدورة المياه، نعم هكذا أصبحنا، فلا تشغل بالًا للمستقبل يا صديقي فهو يحمل إليك الرفاهية والراحة، ولكنك للأسف سضطر للمشي بضع خطوات للذهاب إلى دورة المياه، أعلم أنك تتساءل عن تكلفة ذلك الروبوت وتلك الرفاهية، لكن لا تقلق، فيمكنك إقتناء روبوت ذكي مع صلاحية ثلاث سنوات مقابل خمسمائة، وذلك مبلغ يسير لا تقلق بشأنه، آه تتسائل عن العملة، لا تقلق، فالأرض لم يعد بها نظام مالي، لا يوجد عملات هنا، فلقد تم إلغاء كل العملات، تتسائل لماذا، سأخبرك، فنحن هنا لم نعد كثيرين، مجرد مائة مليون أو مائة وواحد مليون نسمة إن أضفت لهم كلبي الوفي، فلم يعد هناك حاجة للحدود والمنظمات والدول وكل هذا، فالأرض الآن مثل القرية ونحن مثل القبيلة الواحدة، أعلم أنك تتسائل ماذا حدث، لكن لا تهلع، فلم يصب الأرض وباء أباد السبع مليارات الذين تراهم ولم تقم حرب نووية، بل إنه العلم والتطور العظيم الرائع، خارق كل المستحيلات، فلقد إستطاع توفير حياة على إثنين من الكواكب الجديدة التي إكتشفوها، نعم هذا حدث، وقد قام المليارات الكثيرة بالهجرة إلى تلك الكواكب، فلم تعد الأرض صالحة للحياة، ولقد أوشكت على نهايتها، فلقد أصابها السقم لأسباب عدة، فالموارد المائية صارت شحيحة فإنحصرت المياه العذبة في النيل والفرات، أما المالح فقد جف بالكامل، ولم يعد موجودًا، صارت الأرض كلها يابس –عدا النيل والفرات بالطبع– فالتصحر والعمران والصناعة كان لهم الأولوية، كذلك تلك الأشجار الخضراء والنبات والزراعة، كُلها صارت ذكريات من الماضي، فالزراعة الآن بالصناعة، إن أردت خيار أو تفاح أو قمح، ما عليك سوى أن تطلب من الروبوت، وهل تعلم كل تلك الأدخنة الناتجة من السيارات والمصانع والقطارات والتدخين، تسببت جميعها في إنهيار مناخ الأرض، أخبرك صدقًا يا صديقي، إشتقت للشتاء، لا تقلق، فهذا ليس خطرًا، يمكنك الهجرة إلى الخارج، فالعلم قادر على إيجاد الحلول لأي شيء، فلنعد للجهاز، لقد إشتريته لكي أتحدث مع كلبي، إنه صديقي المخلص الوفي القديم، هل تعلم أنه الكلب الأخير على الأرض، وأنا أحظى بشرف إمتلاكه، حسنًا، أنا شغلت الجهاز، تحدث يا صديقي الصدوق
كلبي: أيها الكهل الغبي، كان أجدر بك أن تنفق المال في إرسالي إلى الخارج، بدلًا من أموت هنا مع أحمق يبلغ مائة عامًا.
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى