نــــــــار ليــلى (القصيدة الموصلية) الشهـرزوري

هذه قصيدة نادرة ، من عيون الشعر الصوفي ، فريدة في نظمها ، بديعة في موضوعها ، شجية في معانيها ، تسمى ( القصيدة الموصلية) لكن عنوان ( نار ليلى) طغى عليها، ونحصي العديد من القصائد التي حملت عناوينها من موضوعها أو مكان تأليفها لتمييزها ، مثل القصيدة الزينبية لصالح بن عبد القدوس ، و القصيدة الفراقية لابن زريق البغدادي، والقصيدة اليتيمــة لدوقلة المنبجي، والقصيدة الوداعية للصمة القشيري، والقصيدة الشافية لأبي فراس الحمداني، و القصيدة الرصافية لعلي بن الجهم ، والقصيدة الدبدبية لعلي بن المغربي ، والقصيدة المؤنسة لقيس بن الملوح ، والقصيدة الخالية لبطرس كرامة وغيرها

وقد قال عنها ابو العباس شمس الدين أحمد بن محمد ابن خلكان (608-681هـ) في وفيات الأعيان: "وإنما أثبتُّ هذه القصيدة بكاملها؛ لأنها قليلة الوجود - وهي مطلوبة - وحُكي عن بعض المشايخ أنه رأى في النوم قائلاً يقول: ما قيل في الطريق مثل القصيدة الموصلية.. يعني هذه".)

والشاعر، هو ابو محمد عبد الله بن القاسم بن المظفر بن علي القاسم الشهرزوري ( 465 -511 ) ، فقيه شافعي من اهم اعلام الشعر الصوفي. وقد يكون غير معروف لضآلة حظه من الشهرة بين الشعراء والادباء والعاشقبن والمتصوفة

أما قصيدة نار ليلى، فتعد من عيون الشعر العربي والصوفي خصوصا، وهي نوع من الغزل الارضي، وتنسج على منوال غير مالوف حتى في الشعر الصوفي والعشق الالهي، اذ تتناول رحلة روحية للبحث عن الحقيقة المطلقة التي خرج في سبيلها الشاعر ليلا لعله يهتدي الى نارها المقدسة مع صحبة له يؤنسون وحدته، كما يقول النقاد الذين تناولوها، ويستهلها صاحبها بتوصيف مشاق رحلة السري ليلا للبحث ضالته وهواه، ومحنة الوصول الى منازل قومها على مرتفع، وقد لمعت نارهم على بعد، للدلالة على منعة ورفعة مقامهم، وما لاقاه في سبيلها من معاناة ومكابدات واوصاب، الى ان يلقي بعصا السير حيث منية الظفر بالوصال ولقاء المحبوب

واذا جاء ذكر ليلى في القصيدة فإنما يروم ان يرمز بذكرها الى المحبة الالهية والحقيقة السامية ، ولمعنى الوجود في بعده الصوفي العميق..
وسلمى، وريا، وليلى من الأسماء التي ترددت كثيرا في شعر المتصوفة، يقول عمر ابن الفارض في نص له

هلْ نارُ ليلى بَدت ليلاً بِذي سَلَمِ، = أمْ بارقٌ لاحَ في الزَّوراءِ فالعلمِ
أرواحَ نعمانَ هلاَّ نسمة ٌ سحراً = وماءَ وجرة َ هلاَّ نهلة ٌ بفمِ
يا سائقَ الظَّعنِ يطوي البيدَ معتسفاً = طيَّ السّجِلّ، بذاتِ الشّيحِ من إضَمِ
عُجْ بالحِمى يا رَعاكَ اللَّهُ، مُعتَمداً = خميلة َ الضَّالِ ذاتَ الرَّندِ والخزمِ
وقِفْ بِسِلْعٍ وسِلْ بالجزْعِ:هلْ مُطرَتْ = بالرَّقمتينِ أثيلاتٌ بمنسجمِ
ناشَدْتُكَ اللَّهَ إنْ جُزْتَ العَقيقَ ضُحًى = فاقْرَ السَّلامَ عليهِمْ، غيرَ مُحْتَشِمِ
وقُلْ تَرَكْتُ صَريعاً، في دِيارِكُمُ، = حيّاً كميِّتٍ يعيرُ السُّقمَ للسُّقمِ

وهناك فرق كبير بين الشعر الصوفي والديني والعشق في معناه الصريح ..
فالديني موضوعه الإلهيات والنبويات ومقامات الأولياء والصالحين على نحو ما نجد عند البوصيري والبرعي و الحصري ومحمد اقبال وغيرهم ..

والشعر الصوفي معروف بطرائق نظمه ومراميه وطباعه ومعانيه واساليب نظمهه مما نجد عند أعلامه الشهيرين كالحلاج والنفري وابو يزيد البسطامي وابن عربي وابن الفارض والشيخ الجزري وغيرهم ..

قراءة ممتعة

إختيار وتقديم نقوس المهدي


القصيدة الموصلية أو ( نار ليلى) للشهرزوري

لمعت نارهـم وقـد عسعـس الليـل = ومـــل الـحــادي وحــــار الـدلـيــل
فتأملـتـهـا وفـكــري مـــن الـبـيـن = عـلـيــل ولــحــظ عـيــنــي كـلــيــل
وفـــؤادي ذاك الــفــؤاد الـمـعـنـى = وغـرامــي ذاك الـغــرام الـدخـيـل
ثـــم قابـلـتـهـا وقــلــت لـصـحـبـي = هــذه الـنـار نـــار لـيـلـى فمـيـلـوا
فرمـوا نحوهـا لحاظـا صحيـحـات = فـعــادت خـواسـئـا وهـــي حــــول
ثــم مـالـوا إلــى الـمـلام وقـالــوا = خــلــب مــــا رأيــــت أم تـخـيـيــل
فتجنبتهـم وملـت إليـهـا والـهـوى = مـركــبــي وشـــوقـــي الــزمــيــل
ومعي صاحـب أتـى يقتفـي الآثـار = والـــحـــب شـــرطـــه الـتـطـفـيــل
وهــي تعـلـو ونـحـن نـدنــو إلـــى = أن حجـزت دونهـا طـلـول مـحـول
فـدنـونـا مــــن الــطــول فـحـالــت = زفـــرات مــــن دونــهــا وغـلـيــل
قــلـــت مـــــن بـالــديــار قــالـــوا = جـريــح وأسـيــر مـكـبـل وقـتـيــل
مالذي جئـت تبغـي ؟ قلـت ضيـف = جـاء يبغـي القـرى فأيـن الـنـزول
فأشارت بالرحب، دونك فاعقرهـا = فــمــا عـنـدنــا لـضـيــف رحــيـــل
من أتانا ألقى عصا السير عنـه، = قلـت مـن لـي بهـا وأيـن السبـيـل
فحـطـطـنـا إلــــى مــنــازل قـــــوم = صرعتهـم قبـل الـمـذاق الشـمـول
درس الوجـد منهـمـوا كــل رســم = فـهـو رســم والـقـوم فـيـه حـلـول
منهـمـوا مـــن عـفــا ولـــم يـبــق = للشكـوى ولا للدمـوع فيـه مقـيـل
ليس إلا هي الأنفـاس تخبـر عنـه = وهــــو عـنـهــا مــبــرأ مــعــزول
ومــن الـقـوم مـــن يـشـيـر إلـــى = وجــد تبـقـى علـيـه مـنـه القـلـيـل
ولــكــل مـنـهــم رأيــــت مـقــامــا = شرحـه فـي الكـتـاب مـمـا يـطـول
قلت أهـل الهـوى سـلام عليكـم ، = لــي فــؤاد عنـكـم بـكـم مـشـغـول
وجفـون قـد أقرحتهـا مـن الـدمـع = حـنـيـنـا إلـــــى لـقــاكــم ســيـــول
لــم يـــزل حـافــز مـــن الـشــوق = يحدونـي إليكـم والحادثـات تـحـول
واعتذاري ذنب فهل عند من يعلم = عـذري فــي تــرك عــذري قـبـول
جـئـت كــي أصـطـلـي فـهــل لـــي = إلــى نـاركـم هــذه الـغـداة سبـيـل
فأجابـت شواهـد الـحـال عنـهـم ، = كـــل جـــد مـــن دونـهــا مـقـلــول
لا تـروقـنـك الـريــاض الأنـيـقـات = فــمــن دونــهــا ربـــــا ودحـــــول
كـم أتاهـا قـوم علـى غـرة منـهـا = ورامــوا أمـــرا فـعــز الـوصــول
وقـفـوا شاخصـيـن حـتـى إذا مـــا = لاح لـلـوصــول غــــرة وحــجــول
وبــدت رايــة الـوفـا بـيـد الـوجــد = ونــادى أهـــل الحـقـائـق جـولــوا
أين من كـان يدعينـا فهـذا اليـوم = فـيــه صـبــغ الــدعــاوى تــحــول
حـمــلــوا حـمــلــة الـفــحــول ولا = يصـرع يــوم اللـقـاء إلا الفـحـول
بذلـوا أنفسـا سخـت حيـن شـحـت = بـوصــال واسـتـصـغـر الـمـبــذول
ثم غابـوا مـن بعـد مـا اقتحموهـا = بـيـن أمواجـهـا وجــاءت سـيــول
قذفـتـهـم إلــــى الــرســوم فــكــل = دمــــه فــــي طـلـولـهـا مـطــلــول
نــارنــا هـــــذه تــضـــيء لــمـــن =يـســري بـلـيــل لـكـنـهـا لا تـنـيــل
منتـهـى الـحـظ مـــا تـــزود مـنــه = الـلـحـظ والـمـدركـون ذاك قـلـيــل
جاءها من عرفـت يبغـي اقتباس = ـاولــه البـسـط والـمـنـى والـســول
فتـعـالـت عـــن الـمـنـال وعـــزت = عــن دنــو إلـيــه وهـــو رســـول
فوقـفـنـا كـما عـهـدت حيــارى = كــل عــزم مــن دونـهـا مـخــذول
نـــدفــــع الـــوقــــت بالرجاء = وناهـيـك بقـلـب غـــذاؤه التعـلـيـل
كـلـمـا ذاق كــأس بــأس مـريــر = جـاء كـأس مـن الـرجـا معـسـول
فـإذا سولـت لــه النـفـس أمــرا ، = حـيـد عـنـه وقـيـل صـبــر جـمـيـل
هـــــذه حـالــنــا ومــــــا وصـــل = العـلـم الـيـه وكـــل حـــال تـحــول

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى