عزيز لعمارتي - قصائد في زمن الكورونــــــا.. ( متتالية شعرية)

(1)

كل شيء شاحب من دونك
كل الطرقات فارغة منك
كل المقاهي التي شهدت
فجر ابتسامتك أقفلت أبوابها
كل المعابر
كل المحطات
كل المطارات
لم تعد تحمل
وجهك لي
وأنا ها هنا
ألملم تعبي
أجتر أنفاسي المتعبة
أحدث أطيافك السابحة
على بركة bois de la combre
أحدث البجعات الحزينة
التي فقدت ريشها
وهي تحاول الطيران
لتحمل أخباري إليك
ماذا عساني فاعل
لأطير إليك
سأعود أدراجي إلى المدينة
أجتر تعبي
بين مقصورات ترام Tram 93
لم أكن لأحلم
أن أسافر وحيدا
في فراغ الوجوه
من ابتسامة تشبه محياك
يا له من مارس شاحب
كل شيء يحتضر
في صمت
شرطة المرور تأمر المارة
بإخلاء الشوارع
ربما أعود إلى البيت
أو أتيه عني
لا شيء يربطني
بهذه الأرض
وأنت لست معي ..

***

(2)

أطل من نافذة البيت
ثمة موت لامرئي
يتجول وحيدا
في فراغ الطرقات
الشعاع النافق
على زجاج نافذتي
يحاول التسرب
إلى الداخل
أغنية بياف Piaf على الغراموفون
تنتحر في صمت الأماكن
لا صوت لي
لأردد الأغنيات
عدد الموتى يتزايد بانتظام
ٱلاف المرضى
يجترون أنفاسهم المفقودة
في متاهات سان بيير Saint - pierre
أبحث في أركان بيتي
عن عنكبوت ضال
أروي له مقدمة الكيميائي
باولو كويلو
يطبق أوامر الحجر الصحي
في مزرعته بضواحي ساوباولو Sao Paulo
وأنا ها هنا أتفقد ملامحي
على المرٱة
أرمم جسدي
من ثقوب أحدثها
مراسلو فرونس 24 France
وهم يجوبون أزقة روما الجريحة
أراود الشحوب بجرعة مضاعفة
من الإيكسبريسو Expresso
أحدث نفسي بكلمات مبهمة
هل ما زلت حيا
وأجيبني أن ليس كذلك ..

***

(3)

ولأنني لا أزال على قيد الحياة
سأهبك حبا يليق بمقامك
سأنبتك في قلبي
وردة وحيدة
حارقة نقية كأول ثلج
سأتعلم على يديك
ديباجة الكلمات
لأصوغ لك قاموسا
من شهد الكلام
الحب شامخ لا يعلى عليه
وأنت لست ككل النساء
لأختزل شساعتك في قصيدة ..

***

(4)

لطالما نظرت
في مراياي
ولم تعكسني
على وجهها المرايا
كيف يطل علي
منها شبح
كيف أصبحت
من دوني
في سوايا
إن صمت
تكلم من في داخلي
وإن تكلمت
تاهت عباراتي
في متن الحكايا ..

***

(5)

كالخديعة في رحم التاريخ
هذا الداء
كالضيف الذي لا يرغب
في قدومه أحد
كالموت البطيء
النائم على وسائد الظل
كصبيب من ذعر
يتجدد ببطء
في ذاكرة المساء
كفاكهة فاسدة
تأبى السقوط
من الغصن
كحمامة مهاجرة
تعذر عنها الرحيل
كمدينة تسجن ساكنتها
تحرم عليهم الهمس
الأحضان والقبل
وأنا من وراء نافذة البيت
أرقب الأشباح التي
خرجت للتو في نزهة
حول الحديقة
لا أمل في الرجوع
إلى نقطة البداية
وقد فقدت بعضا مني
محنطا بالخوف
من مجهول
يرتدي كل الأقنعة
يسكن في رأسي
ولا يفارقني
كورونا أيها الداء الخفي
أريد أن أرى وجهك
وأنت تغرس خنجرك
في ظهري
تطبق على أنفاسي
تسحب الضوء من عيني
بكل العبثية التي تلف
هذا الكون ..

***

(6)

ما زلت أبحث
عن الليل كي أنام
عن سرير يستوعب تعبي
عن أحلام أمتطيها صهوة الخيال
عن سماء أحملق في شساعتها
أبحث في جنباتها
عن طيفي المفقود
عن جسدي الصدئ
أساومها عن لوعة الإصباح
عن حفيف البن
وانحناءة الأم
عن دفاتر بعثرتها
وقصائد لا زالت تخدش مخيلتي
تبحث عن سبيل لمعانقة الصبح
هل لا يزال لنا أمل
في هذه الحياة
هل من سبيل للنجاة ..

***

(7)

عجيب أن تقرأ من رباعيات الخيام في زمن الكورونا
وأنت تستمع إلى
the prison song
مفارقة عجيبة
تحاول أن تجيب عنها
بكل ما أوتيت من حدس معرفي
ما العلاقة بين هذا وذاك
إنه الحنين إلى زمن جميل
لم يعد أو على الأحرى فقد بريقه
مع من رحلوا
ويحملك الحلم إلى مدرجات الجامعة
في مدينتك البعيدة
إلى رفاق رحلة
بعثرتهم الأماني والمناصب
لا زلت أتذكرني بجينزي الكاشف
والذي ومع تقدم السنين
لا أطيق أن ألبس
غير هذا الأزرق العمالي وجاكيط الجلد
لا زالت تطوقني أغاني الإيكلز Eagles
وبحة صوت Rod Stewart
وهو يبحر بي بأعلى صوته I am Sailing
كيف تحملني الرباعيات
إلى عالم أفقد معه توازني
أصير خفيف الظل والروح
وتسافر بي
كل هذه الأغاني الخالدة
إلى زمن توارى عني
وأكاد لا أبصره
إلا من حين لآخر
حين تصدح في أذني دعابة
من دعابات ذلك الهرم الشامخ
محمد عبد الوهاب
وهي تدغدغ أذني دندنة
" يا مسافر وحدك "
لأتساءل ماذا بوسعي أن أحمله معي
في رحلتي الأخيرة
سأحمل لا محالة تعبي
وثقل كل هذه السنين
وهذه الأغاني الخالدة
وأنزوي في طيات كتاب
أفتح أبواب عشقه اللامتناهي
وأنكسر في صمت الأماكن ..

***

(8)

ليس للعشق قواعد مضبوطة
ولا حدود مرسومة
هو الشساعة المطلقة
خيط الشفق الذي يخترق الغسق
نبضة الروح التائهة
في ثنايا القلب
ترنيمة الصباح
فيروزة البوح والبواح
الصمت الباذخ
الذي يلف الكون
حين يغازل البريق مقلتيك
تلعثم الكلمات
لأقول ... أحبك ...



***

(9)

ستعبرك القصائد
يا ولدي
من بوابة الجرح القديم
من بوابة المنفى تحديدا
ستعبر أزقة الألم
في حيك البعيد
ستقلب أوجاعك
ترش بالملح
أفراحك المباغثة
تغتال على شفاهك
ابتسامة الغريب
وشوق الحبيب ..
ستعبرك الأيام يا ولدي
كما تعبر الصحراء السراب
كما يعبر الغيث
عطش القوافل
لن تصادفك الطريق
يا ولدي إلا بالخراب
ومن الأحزان
سيصير مطرك وابلا
حين يبرق
في عينك الضباب
وتتساقط السماء
خيط قنابل
سيقرؤك ملك الموت السلام
خلف كل باب
يسقي بروحك
عطش السنابل
عش ضريرا يا ولدي
فنهاية الطريق
لن تعلمها
عش عن الدنيا غافل ...

***

(10)

وددت لو أعيش
كرعاة البقر
أنهض باكرا
أستحم بدلو
من الماء البارد
أحلق ذقني بسكين
أسرج فرسي ” سهم البراري “ Flèche des plaines "
وأنطلق في صمت كالمكيدة
كطريدة فارة من جحر
لأستنشق الهواء النقي
هناك في أعلى التلة
أرقب الممرات المؤدية
إلى قرية " والنت غروف " Walnut Grove "
فلربما عادت القافلة
بشقراء من المدينة المجاورة
أتزوجها وأعيش وإياها
كالسيد ” إنكلس “ Ingalls
أعزف لها بكماني
كل ليلة مقمرة
معزوفات رديئة
وأغاني صدئة
أصدح لها بصوتي النشاز
كلما اشتد جنوني " Stringer in the night "
وعندما يشتد البرد
أوقد مدفئتي
أملأ غليوني
بورق التبغ المجفف
أدخن أحلامي
أحصي أبقاري
التي سأمتلكها
في نهاية الشريط
أخمن لأجمل ”هابي آند " happy and "
أنهظ إلى سريري الخشبي
لأستريح من عناء
يوم حافل
بمطاردة الأشرار
وقطع الخشب
الساعة تشير إلى الثامنة مساء
فرعاة البقر ينامون باكرا
تصبحون على خير ..
Good night ..


***

(11)

الحكمة ..
أن تنسج من قطن الكلام
قصيدة ..
تلوك الصمت
المترنح على طبقات صوتك
تعد حبات الرمل
المتكلسة في ذاكرتك
تنتبذ مكانا قصيا
لتعد هزائمك الصغيرة
وتغني بأعلى صوتك
للغيوم المتربعة
على فسحة المساء
أنا حي
وربما أصير كذلك غدا
فلا داعي لليأس
كل شيء بقضاء ..



***

12

وجهك العاري
في شح النهار
يئن للعاصفة
وأحمر الشفاه الفادح
لم يعد
ليرسم على شفتيك
خارطة القبل
وبيني وبينك
مسافة عطر
وبضع أغنيات
تنخر سر الوتر
أدن مني
رددي على مسامعي
تراتيل عشق أخر
فقد سقط عن وجهي
ظل المرايا
ترنح على الجرح
زمن غدر
أتهاوى في العشب
آخر ورقة
تفقدها الشجرة
هو العمر
لسع الجسد وفر
بين الغصن والأرض
مسافة ضوء
كفيلة بأن تقرأ
تفاصيلي الضئيلة
على رقعة الكف
لا ألم
فقد ضاع مني
حدس الأغنيات
وضجيج الذكريات
نزفت من أصابعي سويعاتي
كما تنزف
الغيمة بالمطر
مصيري سيدتي
أن أطوي صفحاتي
أسلم مفاتيحي للقدر
سأعلق آمالي كاملة
على عتمة الليل
أهديها لأول عابر
يتسلق حلمي
أنزوي كأقصوصة
شاخ عنها الحكي
تناست شخوصها
في آخر سطر ..

***

(13)

لا شك أنني
في حياة أخرى
وبوجه غير هذا الذي أحمله
ولا بنفس هذا الجسد
الذي يحمل تعبي
كنت لربما وبدون أدنى ريب
سأصير لاعبا مشهورا
هدافا شرسا
يحب معانقة الشباك
أو حارسا عملاقا
لو لم تمري
بمحاذاة ملعب الحي
لو لم تصوبي
في اتجاهي سهام كيوبيد
أعترف وبكل سذاجة
أنني فقدت اثرها أصول اللعب
قوانين الجاذبية
فقدت عقلي الضعيف
وصرت من يومها
شاعرا بائسا
يراوغ الحرف
ويصوغ القصائد


.. عزيز لعمارتي ..
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى