وائل سعدي - ولادة غياب متجدد.. قصة قصيرة

بعد انصرام اكثر من عام على رحيل (أمها )الى حيث اللاعوده طلبت مني ابنتي (الوحيده) ان نذهب الى المقبرة، لزيارة (امها).. هناك في المقبرة الفسيحة المترامية . جعلت اختلس النظر، خائفآ. كما لو كنت متلبسا بجرم ، انظر الى صفوف القبور العديدة ،المتجاورة على هيئة رفوف ترابيه متماسكة ، مخبأة في ظلامها البشع الطويل ، بياض نازف ، كنت حيال هذا الغياب .. ارشح برفق وسكون دموعا غزيرة لاذعة مكتظة بفيض عارم من الأسى يتسرب من أعماقي المعذبة ، (ابنتي ) كانت تنتحب الى جواري تحدق بألم الى قبر محطم كانت ذاهلة مليئة بحزن طفولي لا نظير لة ، تنظر بوجل أو هكذا كانت تبدو لي ، في شعاع النهار الذي كان يضيء عينيها المشرقتين بالدمع المنحدر ، ، لامعآ بصمت ، يخضب وجنتيها, بدت المقبرة الحافلة بشهقات ذكريات دفينه متكومه ، جاثمة تحت الارض تحوم اثارها في ذاكرة الأحياء ..كأنها تشير الى الزائرين : انتظروا سوف يلحق بكم ذات المصير .. كنت اسمع من وراء ظهري ، نصائح ترتطم في أذني تطلقها نسوه طاعنات بالرياء والسن والنميمة ، كنت اتساءل يا إلهي أ أحد غيري كنته في الصيف الفائت ، الصيف الذي قبرت فية (زوجتي ) كنت أهجس آنذاك بأصابع المرأة وهي تغسل جسد زوجتي الخامد ، كأنها تغور بأصابعها في طيات اللدن ألذي شذبت لحمه أنصال القهر . والجوع . كانت ابنتي الى جواري . تبكي بلوعة نافذة ... وانا افكر بالموتى النائمين ، واخالهم سعداء بهذا الهدوء او الصمت العجيب او هكذا كان يذهب بي الظن هل كانو يعلمون ، اكثر مما نحن نعرف ان غياب الالم يكمن في الموت السعيد .. ابصرت حشدا نائحآ وانا اجثو على ركبتي لصق القبر مع ابنتي (تتلو أيات ) .. كان الحشد يسحب زانية زائرة ، خارج أسوار المقبرة ، سرعان ما فاحت رائحتها المخزية ، حتى غدت تلوث قدسية القبور ، سحبت ابنتي من ذراعها التي ما زالت متشبثة بي .. تذكرت قبر (امي) لا ادري ابكي من ابنتي اليتيمة أم زوجتي . أم ذكرى طفولتي الغابرة . أم ذكرى امي ام طفولتنا جميعآ .. ماذا تركت امي . سوى طفل نحيل ومعذب . كنت ذات يوم غارب تفترسه الوحشة والعذابات المتوالية ، انعطفت الى ممرات أو مماشي ترابيه ، سالكه وسط القبور ، دلفت الى غرفة او محراب مشيد باجر باذخ تساءلت في سري : ليس لعمرنا البغيض حرفه سوى شم الروائح المتخمة بأنفاس التالفين ، أوينا الى غرفة اخرى أنيقة .. خرجنا الى القبور ما تزال انفاسها تعبق برائحة قديمه عابقة في نتوءات حجر الجدران ، ربما كانت قبور تعود لعراة نبلاء ، ذلك كان واضحا من هجوم الرائحة .. حتى ابنتي تحققت من ذلك ، انتقلت الى احدى القبور ، داهمتنا رائحة مليئة بالفجور واليأس واللاجدوى ! شممنا أخطأها . التي استحالت إلى ما يشبة الرماد ، كنت أخطو إلى جانب ابنتي ، باتجاه إلجاده المفضية الى نهايات المقبرة كان الغروب في أوله يركض فوق رؤوسنا وفوق القبور يزحف في طريقة الى السواد الشامل ، كنت اسمع من بعيد المدافن الجماعية صدى بكاء وصياح وأستغاثات . لم أرهم ، ولكني كنت اغرق في عذابهم ، يصرخون بصوت عال يماثل صراخ الحروب . وأنا أسحب ابنتي .. أمضيت ردحا من نهار مشع كنت احصي فيه في داخلي عدد القبور والضغائن والمسرات والمواعيد والأحلام وعدد جهشات الأرامل المفجوعات ، كانت معي ابنتي تعزي النادبات سرآ وخلال أصابع يديها كانت تعدهن واحدة اثر اخرى. ثم تعيد الكره .. على مشارف المقبرة ، شخصنا بعيوننا الى نعش محمولا على اكتاف أقاربه غاص نعشه في حفرة او طي النسيان ، النادبات النائحات الصارخات في حين (هو ) يتوسده الظلام غاطسا في سواده الداكن ، كان يخفي في رحيله سائر الأسرار والأحلام وحتى النادبات .. كان مرتكنآ الى صمته لا يأبه للمشيعين الذين يبكون موتهم القادم لا ريب ، لاحت لي ابنتي المرعوبه تدفن رأسها في خاصرتي ، وهي تحدق الى الحشود الغفيرة تسألني في براءة لا حدود لها ونحن من (يحملنا ) على الاكتاف ، اقول لها حين تزف اللحظة سوف تتوسدنا الريح والغيم والمطر .. ما زلنا نستقبل زخات متواتره من مراثي النادبات ، ونحن نتلاشى با للاتجاه. المعاكس لسيرهن القينا نظرة الى قبر في طريقنا تعبث فيه الريح التي تنبئ خلال صريرها الملبد بالوحشة عن غيابات أليمة تلوح علامتها المريعة في شحوب المساء وليل الموتى تركنا القبور فريسة الليل طويل ورياح وعواصف , انعطفنا خلال مسيرتنا التي أخالها لا تنتهي ، بأتجاه الجادة (الرئيسية ) لبثنا هناك ، مازالت الريح تنوح كأنها تبكي شيئا ما من ياترى يوقظ أحلام الموتى .. لا احد في الظلمة انزلق نحيب فاتر وحزين .. يتدفق في سكون الليل .. يتسرب من الظلام ينطلق من الفضاء .. من ابنتي عجزت عن صد جريان البكاء الذي جعل يتمدد في خاصرة الظلام الدامس ، هجسه يندفع ويتصاعد كما الريح .. أهذا هلاك. اخر لا نظير له رفعتها الى قلبي المظطرب طوقتها بحنان نازف فجر دموعا غزيره مكثت تهطل او تصب جارية بتؤده حتى أشرقت عيناي كانت تبكي ذكرى أمها حين. دلفنا الى البيت كان الدمع فينا قد نضب في خضم الذكرى. ظلت معالم المقبرة ماثلة او عالقة في. ذهني .. وتزداد توهجا عندما تكون ابنتي الى جابني .. كانت ذكرى. أمها الراحلة تؤلمها. ولا فائدة ترجى من تضرعاتي اليها كانت تعذبني في عذابها ولم اكتشف الى الان ما يملاء الفراغ الذي تركته الراحلة ذلك الفراغ البشع الذي يرشح عذابا لا مثيل له

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى