نائل الطوخي - هكذا حاربت إسرائيل الثقافة العربية.. مانيفستو للأدب اليهودي الشرقي

بيان للأدب الذي يكتبه اليهود الشرقيون في إسرائيل. هذا هو ما كتبه الشاعر الإسرائيلي (العراقي الأصل) ألموج بهار في مقاله بصحيفة معاريف مؤخرا. في مقاله، والذي وصفه عنوان الصحيفة "بالمانيفستو"، يتتبع الشاعر مسيرة الظلم الذي تعرض له الأدب الشرقي في إسرائيل علي يد المؤسسة الرسمية، الغربية غالبا. يتتبع مسيرة التجاهل التي حظت بها اللغة العربية في إسرائيل، وينتقد كون الثقافة الغربية هي ما ظلت تهيمن علي إسرائيل منذ بدايتها وحتي الآن.
مثلا، الأدب الشرقي في إسرائيل لا يتم النظر له إلا باعتباره أدبا ممثلا، ممثلا لجماعة الشرقيين ولوضعهم الاقتصادي والسياسي، أو ممثلا لوضعهم في البلدان التي خرجوا منها، والأمر يعني أن الأدب هنا لا يتم النظر إليه كأدب وإنما كوثيقة اجتماعية، علي عكس ما هو حادث في الكتابة الإشكنازية مثلا، التي يكتبها اليهود الغربيون. يضيف بهار: "يبدو أن موضوع التمثيل أصبح مركزيا لهذا الحد بسبب السياق السياسي الذي يخضع له في الغالب النقد (وليس الأعمال الإبداعية بالضرورة)، وكذلك لكون الاهتمام بالأدب الشرقي، وبالتحديد الأدب الشرقي الذي لا يهرب من هذه التسمية كما يهربون من النار، لازال ضيقا، ولذا فكل كتاب يجنظر إليه وكأنه اكتشاف، وكأنه بداية بلا تاريخ، وكل كتاب مطلوب منه أن يمثل العالم الشرقي كله، وتكون درجة "موثوقيته" هي المعيار الأساسي."
أحد الأسباب لهذا، كما يشرح بهار، هو أنه برغم السيادة النسبية للنقد المكتوب عن الأدب الشرقي في الصحافة اليومية الإسرائيلية، فحتي الآن لم تتم محاولات كافية ومرضية لكتابة تاريخ واسع لهذا الأدب في الأبحاث الشاملة، ويستدرك أن إحدي التجارب الناجحة مؤخرا كانت "العروبة، اليهودية، الصهيونية" لرؤوفين شنير، والذي ركز علي كتابة يهود العراق بالعربية وبالعبرية في القرن العشرين.
في نظر النقد الإسرائيلي، مطلوب من صوت الأديب الشرقي أن يكون علي هذه الشاكلة: "يمارس الاحتجاج العلني، حاد ومهاجم (وفي الغالب يكون مهددا وغير أدبي)، يعيد قراءة النصوص المهيمنة ويؤولها بشكل ثوري، ويظل داخل جيتو "فلكلوري وشعبي"، لا يتحدي "عالمية" الأدب "العام"، وإنما يعمل علي هامشه….. وفي الغالب يتم تقديمه كمن "تطور" من الالتزام بالتقاليد باتجاه الحداثة ومن ضيق الأفق إلي التفتح."
علاقة اليهود الشرقيين ببيئتهم العربية السابقة محل خلاف كبير. يلاحظ بهار مفارقة تتصل بهم، بسامي ميخائيل وبشمعون بلاس علي وجه التحديد، هما القادمين من أصول عراقية: "عندما تتم الكتابة عن شمعون بلاس أو عن سامي ميخائيل بالعبرية، ففي الغالب لا يتم وضعهما في السياق الجيلي لكتابتهم في العالم العربي، وأغلب النقاد المهمين لا يعرفون العربية، علي سبيل المثال، أو اللادينو (لغة يهود أسبانيا)، وربما لا يعرفون حتي أن بلاس وميخائيل بدأوا كتابتهم بالعربية."
"حتي الشعر الشرقي لا يتم ربطه غالبا بتقاليد الكتابة العبرية في العالم العربي، وعندما يجكتب وفق هذه الأوزان ينظر إليه باعتباره قديما ولا يحظي بالنشر، هذا علي سبيل المثال في حالة شعر الحاخام دافيد بوزجلو، كبير شعراء المغرب في القرن العشرين، والذي جاء البلاد في سن متأخرة، وشعر راتسون هاليفي، الذي جاء البلاد من اليمن في شبابه."
ولكن الثقافة الشرقية نجحت في إسرائيل في مجال واحد، هو الموسيقي. يقول بهار أنه: "في مقابل الثقافة الإسرائيلية (المركزية)، والتي كانت إشكنازية في أغلبها مع تضمين تدريجي وجزئي للشرقيين، وجدت في البلاد ثقافة شرقية إسرائيلية، بديلة ومستقلة جزئيا، مواردها محدودة ولكنها بالتدريج أصبحت واسعة الانتشار، كان المجال الواسع بداخلها، والذي حظي بشعبية هائلة وإنجازات فنية مثيرة للإعجاب، هو الموسيقي. جزء من موسيقي ال"كاست" وأفلام ال"بوركس" تم تقبله بأثر رجعي داخل المركز الثقافي، ولكن هذا كان يحدث كثيرا بواسطة معالجة موسيقية جديدة و"رخوة"، أو بدرجة من الاستهزاء، ومن التقبل مع ابتسامة ساخرة."
اليهود الشرقيون هم الأكثر فقرا وجهلا، وإقصاء من المشهد الإسرائيلي العام، وهذا يلقي بظلاله علي الأدب الشرقي الذي يجطلب منه أن يكون علي الدوام أدب "معبرة"، وهي المؤسسة الإسرائيلية التي كان يتم فيها تأهيل اليهود القادمين من بلدان عربية حتي يتكيفوا مع المجتمع الإسرائيلي الغربي. يقول بهار: "بسبب حقيقة أن أزمة الهجرة الشرقية كان أزمة اقتصادية أيضا، فلقد أصبح الاحتجاج جانبا مركزيا من هذا الأدب، مما جعل باحثي الأدب مستعدين لوصف الأدب الشرقي كله باعتباره "أدب معابر"، أي اعتباره أدبا طبقيا أساسية هو معاداة التوجه النخبوي، وليس محاولة لبناء نخبة بديلة، أدبا تشكل المعبرة فيه نقطة صفر تمحو الزمن السابق لها واللاحق عليها."
"هذه الأزمة، التي كانت مركزية بالنسبة للجيلين الأوليين للهجرة، لم تختف في الجيل الشرقي الثالث، الذي بدأ نشاطه في الأدب العبرية في العقد الأخير، وهذا بسبب استمرار "التهميش" الاقتصادي والجغرافي لجزء كبير من الشرقيين، ولكونه لم يتم خلق هوية إسرائيلية شاملة، تتضمن بداخلها مكان واسع لكل من الشرق و الغرب، بعوالمهما اليهودية وغير اليهودية."
في فقرة هامة للغاية، يتحدث بهار في "المانيفستو" عن دور المنظمة التعليمية في تهميش الثقافة العربية لليهود الشرقيين. يقول: "حاولت المنظومة التعليمية الإسرائيلية، بل ونجحت بشكل مثير للإعجاب، في أن تربي جيلا لا يعرف أدب آبائه، المكتوب باللادينو والييديش والعربية، والفارسية واللغات الأخري. المنظومة الرسمية العلمانية نجحت أيضا في فصل أغلب خريجيها عن الأدب اليهودي الذي تلا العهد القديم وسبق شعر بياليك، وعن الأشكال الأدبية العبرية التي كانت شائعة في العالم العربية، وبدلا من هذا فلقد أهدتهم اللغة الإنجليزية."
"وأمام تقليص التاريخ اليهودي الثري ليصبح أحادي البعد وأحادي اللغة، وأمام غرقه في البحر الأمريكي، يبدو أنه ثار في السنوات الأخيرة قلق من فقدان الكنوز الروحية المهولة، ولوحظت عودة بعض أبناء الجيل الثالث إلي الثراء الثقافي اليهودي الماضي، وإلي لغات الماضي، وبهذا أصبح التوجه إلي العربية وإلي لغة اللادينو مقابلا للعودة إلي الييديش.
مثلا، الأدب الشرقي في إسرائيل لا يتم النظر له إلا باعتباره أدبا ممثلا، ممثلا لجماعة الشرقيين ولوضعهم الاقتصادي والسياسي، أو ممثلا لوضعهم في البلدان التي خرجوا منها، والأمر يعني أن الأدب هنا لا يتم النظر إليه كأدب وإنما كوثيقة اجتماعية، علي عكس ما هو حادث في الكتابة الإشكنازية مثلا، التي يكتبها اليهود الغربيون. يضيف بهار: "يبدو أن موضوع التمثيل أصبح مركزيا لهذا الحد بسبب السياق السياسي الذي يخضع له في الغالب النقد (وليس الأعمال الإبداعية بالضرورة)، وكذلك لكون الاهتمام بالأدب الشرقي، وبالتحديد الأدب الشرقي الذي لا يهرب من هذه التسمية كما يهربون من النار، لازال ضيقا، ولذا فكل كتاب يجنظر إليه وكأنه اكتشاف، وكأنه بداية بلا تاريخ، وكل كتاب مطلوب منه أن يمثل العالم الشرقي كله، وتكون درجة "موثوقيته" هي المعيار الأساسي."
أحد الأسباب لهذا، كما يشرح بهار، هو أنه برغم السيادة النسبية للنقد المكتوب عن الأدب الشرقي في الصحافة اليومية الإسرائيلية، فحتي الآن لم تتم محاولات كافية ومرضية لكتابة تاريخ واسع لهذا الأدب في الأبحاث الشاملة، ويستدرك أن إحدي التجارب الناجحة مؤخرا كانت "العروبة، اليهودية، الصهيونية" لرؤوفين شنير، والذي ركز علي كتابة يهود العراق بالعربية وبالعبرية في القرن العشرين.
في نظر النقد الإسرائيلي، مطلوب من صوت الأديب الشرقي أن يكون علي هذه الشاكلة: "يمارس الاحتجاج العلني، حاد ومهاجم (وفي الغالب يكون مهددا وغير أدبي)، يعيد قراءة النصوص المهيمنة ويؤولها بشكل ثوري، ويظل داخل جيتو "فلكلوري وشعبي"، لا يتحدي "عالمية" الأدب "العام"، وإنما يعمل علي هامشه….. وفي الغالب يتم تقديمه كمن "تطور" من الالتزام بالتقاليد باتجاه الحداثة ومن ضيق الأفق إلي التفتح."
علاقة اليهود الشرقيين ببيئتهم العربية السابقة محل خلاف كبير. يلاحظ بهار مفارقة تتصل بهم، بسامي ميخائيل وبشمعون بلاس علي وجه التحديد، هما القادمين من أصول عراقية: "عندما تتم الكتابة عن شمعون بلاس أو عن سامي ميخائيل بالعبرية، ففي الغالب لا يتم وضعهما في السياق الجيلي لكتابتهم في العالم العربي، وأغلب النقاد المهمين لا يعرفون العربية، علي سبيل المثال، أو اللادينو (لغة يهود أسبانيا)، وربما لا يعرفون حتي أن بلاس وميخائيل بدأوا كتابتهم بالعربية."
"حتي الشعر الشرقي لا يتم ربطه غالبا بتقاليد الكتابة العبرية في العالم العربي، وعندما يجكتب وفق هذه الأوزان ينظر إليه باعتباره قديما ولا يحظي بالنشر، هذا علي سبيل المثال في حالة شعر الحاخام دافيد بوزجلو، كبير شعراء المغرب في القرن العشرين، والذي جاء البلاد في سن متأخرة، وشعر راتسون هاليفي، الذي جاء البلاد من اليمن في شبابه."
ولكن الثقافة الشرقية نجحت في إسرائيل في مجال واحد، هو الموسيقي. يقول بهار أنه: "في مقابل الثقافة الإسرائيلية (المركزية)، والتي كانت إشكنازية في أغلبها مع تضمين تدريجي وجزئي للشرقيين، وجدت في البلاد ثقافة شرقية إسرائيلية، بديلة ومستقلة جزئيا، مواردها محدودة ولكنها بالتدريج أصبحت واسعة الانتشار، كان المجال الواسع بداخلها، والذي حظي بشعبية هائلة وإنجازات فنية مثيرة للإعجاب، هو الموسيقي. جزء من موسيقي ال"كاست" وأفلام ال"بوركس" تم تقبله بأثر رجعي داخل المركز الثقافي، ولكن هذا كان يحدث كثيرا بواسطة معالجة موسيقية جديدة و"رخوة"، أو بدرجة من الاستهزاء، ومن التقبل مع ابتسامة ساخرة."
اليهود الشرقيون هم الأكثر فقرا وجهلا، وإقصاء من المشهد الإسرائيلي العام، وهذا يلقي بظلاله علي الأدب الشرقي الذي يجطلب منه أن يكون علي الدوام أدب "معبرة"، وهي المؤسسة الإسرائيلية التي كان يتم فيها تأهيل اليهود القادمين من بلدان عربية حتي يتكيفوا مع المجتمع الإسرائيلي الغربي. يقول بهار: "بسبب حقيقة أن أزمة الهجرة الشرقية كان أزمة اقتصادية أيضا، فلقد أصبح الاحتجاج جانبا مركزيا من هذا الأدب، مما جعل باحثي الأدب مستعدين لوصف الأدب الشرقي كله باعتباره "أدب معابر"، أي اعتباره أدبا طبقيا أساسية هو معاداة التوجه النخبوي، وليس محاولة لبناء نخبة بديلة، أدبا تشكل المعبرة فيه نقطة صفر تمحو الزمن السابق لها واللاحق عليها."
"هذه الأزمة، التي كانت مركزية بالنسبة للجيلين الأوليين للهجرة، لم تختف في الجيل الشرقي الثالث، الذي بدأ نشاطه في الأدب العبرية في العقد الأخير، وهذا بسبب استمرار "التهميش" الاقتصادي والجغرافي لجزء كبير من الشرقيين، ولكونه لم يتم خلق هوية إسرائيلية شاملة، تتضمن بداخلها مكان واسع لكل من الشرق و الغرب، بعوالمهما اليهودية وغير اليهودية."
في فقرة هامة للغاية، يتحدث بهار في "المانيفستو" عن دور المنظمة التعليمية في تهميش الثقافة العربية لليهود الشرقيين. يقول: "حاولت المنظومة التعليمية الإسرائيلية، بل ونجحت بشكل مثير للإعجاب، في أن تربي جيلا لا يعرف أدب آبائه، المكتوب باللادينو والييديش والعربية، والفارسية واللغات الأخري. المنظومة الرسمية العلمانية نجحت أيضا في فصل أغلب خريجيها عن الأدب اليهودي الذي تلا العهد القديم وسبق شعر بياليك، وعن الأشكال الأدبية العبرية التي كانت شائعة في العالم العربية، وبدلا من هذا فلقد أهدتهم اللغة الإنجليزية."
"وأمام تقليص التاريخ اليهودي الثري ليصبح أحادي البعد وأحادي اللغة، وأمام غرقه في البحر الأمريكي، يبدو أنه ثار في السنوات الأخيرة قلق من فقدان الكنوز الروحية المهولة، ولوحظت عودة بعض أبناء الجيل الثالث إلي الثراء الثقافي اليهودي الماضي، وإلي لغات الماضي، وبهذا أصبح التوجه إلي العربية وإلي لغة اللادينو مقابلا للعودة إلي الييديش.


نائل الطوخي

أخبار الأدب 28/9/2008

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى