عبد الواحد السويح - محاولة في الحب (قصّة قصيرة)

وأحببتها، هكذا، وقُضي الأمر وقيل انتهينا وشُفينا. ماذا بعد الحبّ؟ لا شيء.. لاشيء.
يا سيّدي يا سادتي أنا ما أحببتها، أنا أحببتُ فقط أن أحبّها وأن أتباهى بأنّي..
-اخرس!
- عفوا سأصمت.
الِلّيلُ والنّجومُ النّائمةُ ونافذتي المفتوحةُ، متر مربّع من الضّوء يواجه اللّيلَ والنّجومَ النّائمةَ ونافذتي المفتوحةَ على وجه يتأمّله اللّيلُ...
أمّي إليَّ بما بعد الخرافة، بما بعد الحكاية، بعد أن تزوّج محمّد ابن السّلطان بعائشة أسيرة الغول، ما الّذي حدث؟ لاشيء أم لا تعرفين؟ أنا أعرف. مات البطل في اللّحظة التي انتصر فيها على الغول والتقى لحبيبته. لِمَ كلّما تنزاح العوائق والعراقيل تنتهي الحكاية ولِمَ كلّما تنحلّ العقدة ينزل السّتار؟
كنت أحبّها لكنّ حين خيّم شبح الزّواج قلتُ كلاّ لن أصمت.
هذه اللّيلة المهدّدة في ديمومتها وتلك السّاعة اللّعينة الّتي لا تتوقّف تبدو حقيرة شاذّة وأنا الوحيد الّذي يعي بدواعي وجودها...
يا أيّها الأصدقاء الّذين حقّقتم الأحلام الّتي تراقصت في أذهانكم أيّام الصّبا، هل تذكرون الصّبا أيّامَ كنّا نترك حبّة شعير في السّنبلة ونقول هي حبّة النّبيّ، هبة منّا لعصفور جائع شريد هارب من الصّيّادين؟ من منكم لم توشّحه أمّه بالكحل في جبينه كي لا يُصاب بالعين؟
قلتُ له: يا سيّدي إنّي يتيم ولا مفرّ لي من إنجاب أبي. أبي هو الّذي أنجب جدّي وجدّي هو أنا...
- توقّفْ، انبطحْ !
- أقصد أنّه طريق من الطّرق المؤدّية إلى حبّها وأنا سابقا مجرّد عاشق ذي خليلين. حسنا، شبّيك لبّيك، أنا بين يديك.
يا أمّي خرافتك تمّت ولم أنم، مطّطيها واستطردي، لا تهمّني العقد ولا النّهايات السّعيدة، محمّد حين التقى بعائشة، ما الّذي جرى؟
أنا العصفور الّذي يبحث عن حبّة النّبيّ لكنّ المكتوب على جبيني سواد تخطّه النّجومُ النّائمة وسعدي المكبوب...
لكلّ بداية نهاية. تعلّمتُها، حفظتُها ولم أفهمها. كاد المعلّم أن يكون رسولا ولو كان لعلّمها إيّاي. يا كلّ الّذين درّسوني لا أتّهمكم. الابتداء، ما هو الابتداء؟ بداية الحبّ لكي أحدّدها لا بدّ للقرّاء أن يسمعوني مدى الحياة. آدم وحوّاء، أبي وأمّي، التّاريخ، الشّعراء، الأنا، الأنا الأعلى، الهو، ال...
انتهى حبّك، لم يكن مخصّصا لك، كان حبّا فقط وسيكون... هل تفهمينني؟
كاللّيل الّذي لا يصمد قلتُ:
لكي أحبّها يجب أن لا أحبّها، علّموني أنّ الحبّ نهاية فقرّرت أن لا أنتهي، هل اتّضح الأمر؟
وحدي والنّافذة المفتوحة واللّيل الّذي لا يصمد أخطّ الصّمت وأحوّله إلى صراخ ما بعده صراخ...
- ياسيّدي يا سادتي هذا الحبّ لي، خاصّيتي الّتي يحلو لي أن أدرسها بنفسي، الملاحظة ملاحظتي، التّجربة تجربتي، والقانون حتما سيكون قانوني.
يا للسّاعة النّشيطة، أحسنتِ أحسنتِ تؤدّين دورك بانتظام، لكِ منّي جائزة، اسمعي:
- أنا أحتقرك على الدّوام ولولا ذلك لحطّمتكِ.
كالصّيّادين أحاسيسك يا الّتي من المفروض أن أقول لها حبيبتي، يصوّبون نحوي بإتقان..
- دعوني ألتقط رزقي من حبوب النّبيّ!
أصرخ ولا أقع لهم فتتوهّج الشّهوة فيهم وتشحنهم بعزيمة المطاردة، ويظلّ القفص فارغا...
ما بعد الخرافة عند أمّي غيب يسهل إدراكه: محمّد وعائشة عاشا في سعادة وثبات وأنجبا الصّبيان والبنات، كما بعد الحياة موت وقبر، نعوذ باللّه من عذاب القبر واجعلنا من أهل جنّتك يا رحمان يا متكبّر.
اللّيل يغار من وضوح السّاعة فينقشع والنّجوم تحلم بشروق الشّمس. وحدي أطلّ من النّافذة المفتوحة أترقّب حكاية شبيهة بالموت.

عبد الواحد السويح



L’image contient peut-être : ‎‎‎أبو محمود السويح‎‎, barbe‎
  • Like
التفاعلات: محمد أحمد مخلوف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى