نزار حسين راشد - الدخول في التجربة.. قصة قصيرة

في عينيها نظرة امتنان مرهقة، حاولت تثبيت نظرتها علي دون جدوى، هذا ما يحدث عادة، عقب ان تنقذ امرأة من الموت،مشهد إنساني، ربما تكرر في الواقع، وفي القصص والروايات، عدداً لا يحصى من المرات. حاولت الإنتحار بابتلاع حفنة من الحبوب المنومة، أظنكم ألفتم هذا المشهد، في كثير من أفلام السينما،الطريقة الأكثر جبناً ، تليق بالأنثى حقّاً، ولكنها ليست الطريقة الأكثر خسّة، بل لربما كانت كانت الأكثر حفظاً للكرامة، أكثر من تقطيع شرايين الرسغ، الطريقة الأكثر صخباً واستعراضية، تليق بالمرأة أيضاً، رومانسية الفضيحة!

كنت لا ازال أرتجف، ماذا لو لم أكن أمتلك عضلاتٍ قوية، لقد ردفتها على كتفي في رمشة عين، وهرولت خارجاً، وحثثت سائق التاكسي الذي أصيب بالذعر، ماذا لو لم تكن علبة الحبوب الفارغة ملقاة إلى جانب السرير؟ كيف كنت لأعرف؟

آلاف الأسئلة المتأخّرة التي تحوم في ذهني، ولكن السؤال الأهم هو ماذا لو لم يتصل بي الزوج المذهول الذي يقف إلى جانبي الآن عند سرير المستشفى، وماذا لو لم يطلب مني الذهاب إلى بيته للاطمئنان على الزوجة التي لم تجب على مكالماته؟

مشهد إنساني يتجاوز التحفظات!

ماذا لو لم أستجب؟

تتزاحم الأسئلة في رأسي ، متأخرة جدّاً، ولكنها حقيقية وجديرة بالطرح!

ماذا لو لم أنجح في كسر الباب بدفعه بكتفي!

هل كان سيأتي الدفاع المدني بعد فوات الأوان!؟

زوجتي اختصرت الحكاية كلها بتعليق بريء وواثق: مكتوب لها حياة! وعلى يديك أيضاً!

اخيراً انتبه الزوج إلى ارتجافي وعدم تماسكي، سحبني من يدي على عجل إلى خارج الغرفة وهرول بي إلى خارج مبنى الطواريء، إلى الهواء الطلق، أجلسني على مقعد، وانطلق مسرعاً، وعاد بزجاجة عصير:

- إشرب !

- لا أستطيع!

- هل تريد أن تستفرغ؟

- لا أشعر بالحاجة لذلك!

- هل أطلب منهم إدخالك؟

أردف بجدية..

كنت سابحاً في أفكاري، ولم أجبه بشيء!

أخيراً لجأ إلى الدعابة، محاولاً سحبي إلى خارج الحالة الذهنية المسيطرة علي:

-إنها زوجتي يا رجل وليست زوجتك!

يربت على كتفي ضاحكاً، ولكني لا أستجيب بشيء!

يجلس إلى جانبي في استسلام يائس، بعد ان أعيته الحيلة!

أخيراً ألتفت إليه:

- هل هي حيّة فعلاً؟ هل نجحت في إنقاذها؟

يرفع حاجبيه دهشة:

- نعم يا رجل ماذا بك، هل كنت ذاهلاً عما يدور حولك إلى هذه الدرجة؟ تعال معي لتتأكد!

نعبر إلى داخل المبنى، نقف إلى حافة السرير، يوجه الرجل حديثه إليها:

- هل شكرت جارنا على إنقاذك؟

تسبل عينيها أن نعم، وتعاود النظر إلي بوهن!

- الحمد لله أنها بخير! انا سأغادر بعد إذنك!

أتوقف متردّداً، أسحبه من يده، إسمع:

- ما سبب المشكلة؟

- أية مشكلة؟

- بينك وبينها! إسمع لا داعي لأن تخفي شيئاً! قل لي بصراحة، ربما أستطيع أن أساعدك!

- أكثر مما فعلت؟

- أنا لم افعل شيئاً! الله وضعني في طريقك!

يحمر وجهه حدّ الإنفجار ويفرك يديه في اضطراب، يستجمع شجاعته مغالباً فيضاناً داخلياً من الخجل، ويعلن مستسلماً وكانه يضع مصيره بين يدي، ويسلمني زمام الموقف:

- إنها النقود يا رجل، مضى علي شهر دون عمل

-هل هذا كل ما في الأمر، لماذا لم تطلب مني حتى يفرجها الله عليك، انا جارك اللصيق يا رجل، هل تريد أن ترسلني إلى جهنّم وتحملني إثمك يا رجل؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:

ليس منا من بات شبعان وجاره جائع!

- ربما يكون حالك مثل حالي؛ الكل يعاني في هذه الظروف!

حديثي يعيد إليه ثقته الضائعة، إسمع لنذهب وندفع فاتورة المستشفى أولاً!

ندفع الفاتورة نتمم إجراءات الخروج، برغم تحذير الطبيب أنها يجب أن تبقى تحت الملاحظة!

يتبقى إجراءات الشرطة، نذهب إلى المكتب، ونعود بصحبة شرطي، يسألها الشرطي:

- هل أنت واعبة تماماً يا أختي لتجيبي على أسئلتي؟

هذه المرة ينطلق صوتها بقوة:

- نعم يا سيدي!

- إذن احكي لي ما حصل!

لقد ابتعلت عدداً من الحبوب المنومة، وهذا ما يؤكده تقرير الطبيب!

- ولماذا حاولت الإنتحار؟ هل أساء أحد إليك، هل حدثت مشكلة بينك وبين زوجك؟

-لم إحاول الإنتحار يا سيدي، ولكني أعاني من قلة النوم وحين لم تؤثر بي الحبة والحبتين تناولت أكثر دون أن أنتبه كم كان في يدي!

- وأين كان زوجك؟

- في الشغل!

- ومن أحضرك إلى المستشفى؟

جارنا! تشير إلي-

- هل تستطيعين التوقيع على اقوالك؟

- نعم يا سيدي!

يغلق الشرطي المحضر، ويضمه إلى محاضر استجوابنا أنا وزوجها وينبهنا إلى ضرورة الحضور إلى المركز الأمني في الغد لاستكمال الإجراءات!

ويغمز بعينه محذراًّ:

- كل ذلك سيعتمد على قناعة رئيس المركز! لا تغيروا أقوالكم كونوا واثقين مما ستقولون! احفظوها صم! يودعنا بابتسامة متآمرة!

لا داعي لسرد ما حدث بعد ذلك، أعطيت الرجل نقوداً، وقبلها دون مناورة، فقد ارتفعت بيننا الكلفة تماما.ً، في غمار هذا المشهد الإنساني الذي ختمته بالقول؛ نحن عائلة واحدة، جارك أقرب من أخيك، لا تكرر الغلطة!

ولم يجد الرجل ما يقول سوى:

- وهل كل الجيران مثلك؟ الناس لا تعرف إلا عند التجربة!

نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى