د. رمضان ميلاد المصراتي - الأيمان بالخرافات (1)

الخرافة فى اللغة والثقافات أمر مهم ولها عدة تعريفات وعدة أشكال وعدة صور عبر التاريخ وفى مختلف الحضارات والديانات والعصور والأزمنة. يقول الله تعالى فى كتابه العزيز وتحديدا فى سورة البقرة فى الجزء الأول –الحزب الثانى -الأية السابعة والسبعون. بسم الله الرحمن الرحيم (( ومنهم أميون لا يعلمون الكتب الا امانى وأن هم الا يظنون)) صدق الله العظيم.
ومعنى كلمة امانى فى هذا الصدد: أكاذيب تلقوها عن أحبارهم والمقصود هنا اليهود وهذا المعنى لا يذهب بنا بعيدا عن مفهوم الخرافات التى نتحدث عنها.
وفى الثقافة العربية لغويا خرافة أسم , ومنها الفعل خرف ويخرف ومخرف والمصدر منها الخرف والخرافة يقال أنها أرتبطت تاريخيا بأسم رجل من بنى (( عذارة أو جهينة أستهوته الجن فكان يحدث بما رآى فكذبوه, وقالوا حديث خرافة ويشار الى الخرافة بالخزعبلة.
والخرافات بشكل عام يتوفر لها صفات تميزها عن مفاهيم أخرى ومصطلحات مختلفة ومن تلك الصفات البعد عن الموضوعية والمنطق وسعيها لتحقيق أهداف الفرد بأساليب بعيدة عن العلم والعقل وكذلك أحتماءها وراء بعض المفاهيم الدينية والعقائدية وتسترها خلفها مع التأكيد على ان التفكير الخرافى عندما يصبح مظهرا او سمة لشخص ما فانه عادة ما يكون مستندا لقاعدة ايجابية تعزز من التفكير الخرافى لما يؤديه من وظيفة نفسية , يلجأ اليها الأفراد عندما لا يجدون وسيلة مثلى لتفسير الأشياء من حولهم تفسيرا منطقيا, فلأنسان سريع التأثر نفسيا.
الخرافات التى تمتد فى حياة الكثير منا كما يمتد الأفق فى صحراء مقفرة وهى أشبه بمتاهات فى نفق مظلم لا يعرف لها بداية أو نهاية.
قصص وطلاسم وأشباح لقد كانت الخرافات مرتبطة بحياة الشعوب وهى تعانى أسؤ حالات الفقر والجهل والتخلف والحرمان. كنت على الدوام أذكر تلك الحكاية التى تروى وترددها العجائز فى أحدى الحارات القديمة فى مدينة بنغازى حيث أبصرت النور,قصص كانت تحكى عن ذلك المخلوق الذى يملك ذيلا وله قرنان فوق رأسه , لقد نسجت كثير من القصص حول ذلك الشيطان تلك القصص التى كان جزء كبير منها يدور حول معاناة كثير من الناس وأحبطتهم التى تحولت الى قلق مزمن وألم مستمر يجعل ضمير الكائن منهك وغير قادر على التأقلم مع الواقع مما يؤدى ذلك الى حدوث ما يعرف بعمليات الدفاع النفسى عند مستوى ما قبل الوعى لأحداث تغيير غير حقيقى فى الواقع من ناحية وتقبله من ناحية أخري رغم عدم حقيقته لتخلص من شعور القلق والألم الذى يسببه الواقع او يفرضه احيانا كثيرة ثم يتحول ذلك الشعور الى حالة مزاجية مكتئبة تتطور تدريجيا بتضخم العقل الباطن بالمخزون الهائل من واجهات النظر والرغبات والآراء والقرارات التى نستطيع البوح بها ترة خوف من العيب وتره أخري خشية القانون او العادات والتقاليد وأحيانا خشية جبروت الظالمين , أعزائى لا أريد ان أطيل عليكم أو أعقد ما أريد قوله لكم ولكنى أردت فى مقالى هذا وضع أساس علمى من الناحية النفسية لما أريد قوله فأن أصبت فلى الأجر وذلك توفيق من الله وان غير ذلك فأنى مثلكم غير معصوم من الخطأ وأجرى وأجركم على الله. لقد أكد الفقيه الذى يضع العمامة فوق رأسه وميز نفسه عن بقية المواطنين بما لايدع مجال لشك أن الشيطان الملعون ذلك المخلوق العجيب هو المسئول الأول والأخير عن كل ما يحدث من أمور تزعج الناس , ذلك الفقيه الذى يلبس الجبة الحريرية لكى نعرف أنه فقيه ووجدنا أنفسنا نقبل يديه من باب الأدب ولكن العجيب فى الأمر أن القران الكريم لا يوجد فيه هذا الزى ولم يطلب الله من الفقيه أن يميز نفسه عن بقية المواطنين , ولكن فى حقيقة الأمر أن سيدنا الفقيه الحاذق يبدو أنه تعلم ذلك من تاريخ الكهنوت السيئ السمعة فقد عرف عن رجال الدين فى مصر الفرعونية أنهم كانوا يلبسون زيآ خاص بهم لكى يتعرف عليهم عامة الشعب ويمنحونهم صغار الماعز وعرف عن أحبار المعبد اليهودى أنهم كانوا يلبسون زى خاص بهم لكى يتعرف عليهم اليهودى الورع , ويسارع فى تقبيل أيديهم عندما يجدهم يطاردون أحدى بناته القاصرات من أجل المحبة فى الله , وأيضا كان قسس الكنيسة المسيحية يلبسون زيا خاصا بهم لكى يميزهم جباة الضرائب ورجال الأعمال الأثرياء الذين يحدث لهم اضطراب الشخصية الهستيرى عندما يقومون فى مرحلة ما قبل الوعى للقيام بأحدى عمليات الدفاع النفسى بإزالة جزء من الشخصية عندما يصبح ذلك الجزء مصدر لتوتر عاطفى يوخز ضمائرهم فى حالة الوعى فيهرعون بما تبقى من الشخصية من حالة الوعى الى حالة النوم فنجدهم تارة تأهين وتارة أخرى يعانون من حالة فقدان للذاكرة , وهذه الأمور تعطى للفقيه الفرصة لتدخل بقدراته العجيبة التى تزيل الأرواح الشريرة وتعيد كل شى فىى نصابه كما يرى هو ووفق منهجيته المدعية الممتدة من عهد أدعاء مسليمة الكذب مقاسمة النبوة مع الرسول الكريم صلعم, و بهذا يتحول الفقيه بقدرة قادر وكل ما يحتويه جرابه القذر وأكياسه اللعينة من أكاذيب مصدر تقدير ووقار.
لقد تطور الفقيه مع تطور الحياة المدنية وطرح نفسه فى كل عصر مع ما تقتضيه المصلحة فكان دائما محب للمصالحة وهذا ليس بغريب فالتشبه كبير جدا بين المفردين وما أشبه اليوم بالأمس, وهذا أيضا ليس بغريب على الفقيه فهو يختار دائما المصطلحات المنمقة ولا بأس أن خدمت هذه المصطلحات أهدفه الدنيوية فالضرورات تبيح المحضورات ونحن الذى يحدد االضرورات ويحدد المحضورات .
الفقيه المتحزب الذى نراه تارة معارض وتارة أخرى مريد وأخرى مناهض, وتارة أخرى يخرج علينا فى حالة من حالات الفنتازيا وأحلام اليقظة التى يرى فيها نفسه منتفخة أوداجه محمرا يتلذذ بالخضرا والماء والوجه الحسن مع ما ملكت أيمانه ومن لا يملك فى الغد الجديد الموعود.
الفقيه الذى لم يطلب منه الله أن يترك بقية الحرف ويتطوع بفرض وصايته على الين والشعب!!!! ولكنه تعلم هذه الحيلة من تاريخ المعبد العبرى فالأحبار وحدهم هم الذين ابتدعوا حرفة الدين خلال القرن الأول من وصول بنى أسرئيل الى ارض الميعاد, وأقاموا مؤسسة دينية خاصة تشرف على شؤونهم وتدفع لهم مرتباتهم من حصيلة الصدقات حتى تحولت الديانة اليهودية نفسها الى شركة مساهمة تعرف بأسم المعبد, تلك الشركة السيئة السمعة التى لم تقتصر على تحريف التوراة بل أنطلقت لزيادة نفوذ الأحبار داخل جهاز الدولة حتى وضعت الملك نفسه فى خدمة أهدافها وأرغمته على أن يتقاسم معها شعب الله المختار كما يتقاسم اللصان قطيع الماعز.
لم يقتصر هذا الحال على الدينة اليهودية فلقد كان لهذه المؤسسات الدينية وجود بارز أخر فى الديانة المسيحية حيث دعت هذه المؤسسة نفسها بأسم الكنيسة ووضعت هذه المؤسسة مدير أعمال يعرف بأسم البابا الذى يحرص على مد نفوذه داخل أجهزة الحكم فى الدولة المسيحية ويرغم ملوكها على أن يتقاسموا معه قطعان العباد كما يتقاسم قطاع الطرق حصيلة أى غارة ناجحة.
شركات دينية وأعلامية!! تشرف عى دفع رواتب القسس والأحبار وهى التى جعلت من الدين حرفة مربحة وحيلة بارعة للضحك على ذقون العباد ونشر الخرافات فى البلاد وبين العباد, ولم ينته دورها عند هذا الحد فهى المدد الذى ترتوى منه حركات الأنفصال الدينى والحروب السوداء والقهر العقلى وكبت الحريات وبيع صكوك الغفران واخضاع كلمات الله لأهواء الحكام المضحكين وحرق المواطنين بتهمة الهرطقة .
. وأود أن أختم هذه الحلقة بما قاله أحد علماء النفس الذى قال" يعتقد الكثيرين أننا نبكى لأننا مكتئبين ولكن الحقيقة نحن مكتئبين لأننا نبكى.

د. رمضان المصراتى

* نقلا عن: مجلة الثقافة الليبية


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى