محجوب حامد آدم - وجه الصباح.. قصة قصيرة

إقتربت من ضفة النهر .. لا شيء هناك سوى حفيف الاشجار وشقشقة العاصافيرالتى تتمايل على الاغصان ، ورطوبة التل الذى ينتهى إلي النهر .
وضعت (الجركانة) جانبا ووقفت تتأمل النهر فى هذا الصباح الخريفي الجميل ، كانت مياهه هادئة كما لو أنها استسلمت لنوم عميق ، أشعة الشمس ترسل خيوطها على مقربة من وسط النهر ، أقرب إلي الضفة الأخرى ، خيوط جميلة تداعب أجفان النهر لتأكد إنبثاق يوم جديد .
إتكأت براحتي يديها على صخرة نصفها في الماء ونصفها الآخر يرقد على حشائش الضفة .. بدأت ملامحها كاملة على صفحة الماء ، ذلك الوجه الطفولي الذى لم تكترث هي لتأمله .. بدت عيناها في الماء كقارب يرسو مطمئنا ، واهبا أشرعته للريح التى تتمايل له في لطف كأنه طفل يحب التأرجح .. شفتاها ترسم قبلة على المياه التى ارتعشت كفتاة لم تذق طعم القبل بعد ، تدلت الخصل من جبينها في همس لذيذ .. لم يتحمل الصبح إحمرار وجنتيها ، فغاص بعمق كالشفق .
تبسمت لأول مرة لهذا النهر الذى لم تستمتع بالحياة فيه قط، لقد أضناها الترحال منه/اليه ، جيئة وذهابا ثلاثة مرات في اليوم ، وعلى ظهرها تلك (الجركانة) الملعونة .
لكنها في هذا الصباح حاولت أن تتأكد أكثر من الجملة التى ألقاها عليها الضيف الذى حل بجارهم :
وجهك كالصباح ..!!
إنفرجت شفتاها بإبتسامة واسعة ، فبدت كالصباح فعلا .. قامت من إتكائتها ، جلست على الصخرة ، تدلت قدميها على الماء وحركت النهر النائم، ضاع وجهها وتناثر بين الأمواج الصغيرة .. لاح لها وجهها وكأنه ينعكس على مرآة متصدعة .. إتسعت إبتسامتها أكثر ، ثم أخذت تجلجل بضحكات تداخلت كأجراس المعابد .. تحركت صوب (الجركانة) وبسعادة لم تشعر بها من قبل سكبت فيها ماء صباحية رقراقة .. إمتلأت (الجركانة) وإنسكب الماء وفاض مكونا مجرى تحت قدميها ..!
صارت تضحك والنهر يصلي بخشوع متمنيا أن تتسع (الجركانة) حتى يتم صلاته أمام هذه التي ملأت الضفاف/الصباح حسنا .
مسحت بيمناها على شعرها فإستقرت الخصل المتمردة مطيعة للكف الملائكي .. جالت بناظريها على المكان تودعه أو تلقى عليه تحية الصباح .. مضت ، وخطو أقدامها يوقع لأغنية متناغمة شرعة تدندن بها مع ذلك الإيقاع الرائع .
بانت هيئة القرية أمامها بوضوح .. أطفال يشكلون من الطين عوالم زاخرة بالتماثيل ، فيها أكواخ وحيوانات ألفوها بلعبهم الصباحي .. رجال يسيرون بخطى جادة نحو الحقول .
مرت ، بصريف جارهم ، ذلك الضيف .. إسترقت النظر وفي ذهنها أكثر من سؤال :
هل أنا كالصباح .. ؟؟
استرجعت صورة وجهها على صفحة النهر/الصباح .. أيقنت أنها جميلة ، وجميلة أكثر هذا الصباح .
راحت تسأل نفسها ... :
- لكن ماذا يشبه الصباح .. ؟؟ !!


محجوب حامد
كرن - مارس 2002

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى