أسماء رمرام - لهــــاث.. قصة قصيرة

العاشرة صباحاً وخمسٌ وعشرون دقيقة.. في هذا الـــ آذار الجميلْ.
ها أنتِ قريبة مني الآن، في صدفةٍ قد لا تتكرر مرة أخرى.
تخرجين من العيادةِ بخفة فراشة، تتسللين وأنتِ تضعين يدك على فمكِ ، وقطعة من القطن تملأ ما بين شفتيكِ ، بعد خلعكِ ضرسا على ما يبدو .
أشفقُ علي ّ، وأهرع رغم آلامِ ضرسي إلى حيث موطئ قدميك.
أتبعكِ،
أضغط على شفتي من شدةِ الألم ، وأسقط من فوقِ جسرِ الكرامةِ إلى نهر البكاءِ السحيق.
أتنفسكِ،
عطرُ الرسالةِ الأخيرة التي كتبتها لي يخفقُ في خيلاءٍ وهو يلوّح لذاكرتي بكلتا يديه.
تغفو سنونواتُ الفرح قليلا، وتستيقظ أعواد الثقابِ التي كانت عالقة في كهفِ السُكوتِ المظلم زمناً.
أتساءل:
هل الشوق عسلٌ مُصفى أم كابوسُ نومٍ حقير؟
وأجري،
تسرعين فأركضُ وأنتِ تلتفتين وتنظرين إليّ بعينِ الحيرة، كمن عصرَ روحه سُمُّ القلق.
تتوقفين، وأصل إليكِ، عارياً إلا من قلقي، مضطرباً بعدما تعثرت بحجر على الطريق،
تسألين:
"لماذا تلاحقني؟ ألم أقل لك إن ما بيننا انتهى ؟"
وأجيب:
" لكنه لم ينتهِ، أرى هذا في عينيكِ يا مرمر "
" عيناي تبكيان لبكاء ضرسي، هذا كل ما في الأمر "
تبتسمين، وتأوين كعادتكِ إلى مكائد لغتكِ، التي ما كنت لأستطيعَ مقاومتها وأنتِ تردفين:
"قل لذوقكَ الفذ أن يصطادَ لك فراشة ً أخرى تواكب تطلعاتك أيها المغرور "
أردّ والسرور يملأ جوارحي لأنكِ أخيرا تكلمتِ، بعد صمتٍ دام سنوات:
" ألم تنسي بعد تلك المزحة ؟ كنت أمزح فقط ، لستِ جامعية لكنك أفضل من عشراتِ الجامعيين الذين ينسون ما درسوا بعد التخرج، أنتِ على الأقل قارئة".
تتسعُ عيناكِ وتلمعان ببريقٍ خافت:
" انسَ ما قلته لك، و انشغل عني بكتابةِ نصّ جديدٍ ".
" لكنكِ الوقود الذي يحرّك النص ، لم أكتب شيئا منذ افترقنا ".
" هذا يعني أنك لم تعد تتذكرني ".
" بل يعني أنكِ أصبتِ رأسي بصاعقةٍ شلّته بالكامل ".
تنحنين لتلتقطي خاتماَ أكبر من إصبعكِ، سقط من يدكِ فجأة وأنتِ ترفعين عن ضرسكِ قطعة القطن التي أزعجتك.
ترتفعين كنخلة، وأسقط في إثر خاتمك كقتيلْ.
أسألك:
" هل هذا خاتم خطوبة ؟ "
تصمتين، ثم تستقلين سيارتكِ و أركبُ أنا موجة الحزن العاتي، مسرعا إلى العيادةِ كي أقتلعَ ضرساً أرهق فمي ورأسي، وأتساءل:
" هل خسرتكِ حقا يا مرمر ؟ "


_
* من مجموعتي القصصية بكاء القرنفل/ منشورات أجنحة 2019




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى