نزار حسين راشد - ستيلا..

كانت صورها على صفحات الجرائد،ملصقة على الجدران والأعمدة،الفتاة الإسرائيلية المفقودة والتي ربما اختطفها العرب الأشرار وقتلوها،قلبوا الدنيا بحثاً عنها،فتشوا كل البيوت،عدا بيت زوجي طبعاً،بحكم حصانته الديبلوماسية لعمله في منظمة دولية،ولم يساورهم الشك حتى من باب أنه متزوج بعربية مسلمة،واعتنق دينها أيضاً،ببساطة لقد أعمى الله أبصارهم عتها!
الأيام القليلة التي قضتها ستيلا عندنا،تعمّدتُ أن لا أسألها عن السر وراء رغبتها في الارتباط برجل عربي مسلم،والعيش بيننا بدل إسرائيل،ووجّهتُ دفة الحديث للشؤون النسائية عن اللباس والطعام والزينة والرغبة في إنجاب الأولاد،كانت مرحة ومطمئنة لما سيأتي به الغيب،وتكلّمَت بانفتاح تام،وعبّرت عن كل ما يجيش بخاطرها دون تحفظ.
اشترينا لها أنا وتوماس بعض الهدايا،وبدت مغتبطة وممتنة لذلك.
حين جاء أهل الرجل العربي الذي اختارت الإرتباط به ليأخذوها بعد أن هدأت حُمّى الحملة ،ويئس الإسرائيليون من العثور عليها،التفتت إلي وقالت،وكأنها تجيب على سؤالي الذي لم أسأله،وتشبع فضولاً ظل يحيك بنفسي حتى تلك اللحظة التي ستفارقني فيها ربما إلى الأبد:
-ماجذبني لحامد إضافة إلى شخصه طبعاً هو طريقة حياتهم،لقد عرّفني إلى أمه وأخواته وخالاته،إلى عائلتهم الكبيرة،أردت أن أكون جزءاً منهم،إن أعيش حياتي كامرأة،أرتب بيتي وأطهو وأنجب الاطفال وأنتظر عودة زوجي،لا أريد أن أبني صرحاً كاذباً لمجد إسرائيل،ولا أن أكون مجندة في جيشه،لقد جعلني حامد أكتشف الإنسان فيّ ،أعاده إلى الحياة،إنهم يعيشون معاً كعائلة كبيرة،في بيوت متلاصقة،يتبادلون الزيارات والمشاعر الدافئة والمنافع الصغيرة فيما بينهم،يتكؤون على بعض ليقطعوا مشوار الحياة،يعبرون عن حبهم لبعضهم بتلك اللفتات الصغيرة ،هكذا تكون الحياة وإلا فلا،إنهم ببساطة أناس سعداء،لا تحول بينهم وبين تلك السعادة كل مشاكل الحياةومتاعبها ومنغصاتها لا بل ويحولون عقباتها ومكدراتها اليومية الصغيرة إلى أسبابٍ للود،والتواصل الإنساني الذي نفتقده نحن،حتى في ظل الرفاه الذي نحظى به،والذي تخصنا به الدولة،وتتعمّد حرمانهم منه،وإغلاق أسبابه في وجوههم
واستدركَت:لولا وجودنا بالطبع ربما لكانت حياتهم أفضل،لقد ضيقنا عالمهم،وسرقنا مستقبلهم وآمالهم الكبيرة،إننا ندفعهم بكل السبل إلى الثورة،لا بل إننا نقتلهم أيضاً بلا رحمة،ويطلق جنود جيش الدفاع النار عليهم وكأنهم في رحلة لصيد البشر،لا بل إننا نحرق حقولهم ثُمّ ندعوهم مخربين،أنا لاأ اطيق كلّ ذلك،أريد أن اكون في الجانب الصحيح،حتى لو مت فيه،لا بل إنني أريد أن اموت فيه!
شدت على يدي في مصافحة حميمة،ثم اقتربت وقبلتني ولوحت بيدها مودعة،وخرجت إلى أهل زوجها المنتظرين،وذهبت بصحبتهم،إلى حيث شاء لها القدر!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى