نزار حسين راشد - يوم مشهود

اليوم قرّرت أن أنضمّ إلى جموع المرابطات في ساحات المسجد الأقصى،ارتديت الزيّ الفلسطيني،الثوب المطرّز،والشاشة البيضاء،هذا بحدّ ذاته شاحذٌ للعزيمة،فنحن في النهاية ندافع عن هوية ،لقد حاولت السلطات الإسرائيلية داخل الخط الأخضر،تغيير ما استطاعت من ملامح هذه الهوية عبر سنوات الإحتلال الطويلة بعد ١٩٤٨،بتبديل أسماء المدن والقرى وشواخص الطرقات حتى،حاولوا تغيير العادات والتقاليد،تبرّجت النساء قليلاً ولكنّهن احتفظن بعفتهن مسيحيات ومسلمات،فلم تصبح المساكنة طريقة ارتباط مشروعة أو حتى مقبولة بين الرجل والمرأة،ضحكت وأنا أضع فكرتي هذه موضع اختبار،وأسأل احد الفنانات الفلسطينيات ،والتي تجاوزت الأربعين فيما إذا كانت لا تزال عذراء،فاحمّر وجهها وهي تهزّ رأسها بنعم.
لقد هزمتهم الذاكرة الجمعية،ونهر التاريخ الذي لا يغير مساره،وتلك التقاليد الشامخة العصيّة على التطويع.
وضعتُ ابني محمد عند أحد الصديقات،وقلت لزوجي أنني ذاهبة إلى هناك،إلى الجبهة حيث تتواجه النساء مع الجنود،
في الطريق إلى الأقصى تناهى إليّ حديث طفلين،كانا يتبادلان الحديث وهما في طريقهما إلى هناك:
'-هل فعلاً المسجد الأقصى هو أرض البعث ومن هنا تقوم القيامة؟
-ليس المسجد الأقصى فقط ولكن القدس كلها،أرض بيت المقدِس،هكذا قال جدّي!
-وهل سيُبعث أخوك الشهيد من أرض الأقصى،من المكان الذي استشهد فيه؟
-كل الشهداء سيبعثون من هنا!
تجاوزتهما وهما لا يزالان مسترسلان في السجال،
كانت النساء قد شكّلن حائط صد أمام الجنود الإسرائيليين،مما يعني أن الإشتباك قد أصبح وشيكاً،كان هناك عدد من الأطفال،وبعض الشباب البالغين!
وقبيل ساعة الصفر وقف شاب وأشار بيده إلى الجميع أن يصمتوا،وتوجه بخطابه إلى الجنود الإسرائيليين:
-حسناً،قولوا لي ما الذي تفعلون هنا؟تظنون أنكم تقفون على أرض الهيكل،لا بأس!أين هو هذا الهيكل؟كيف تبخّر فجأة ؟من فوق الأرض ومن تحتها،ها هي آلياتكم تحفر تحت قدمي،ولم تجدوا شيئاً!لا بأس!قولوا لي ما اسم إلهكم الذي تعبدونه وما علاقته بهذا المكان،نبينا محمد صعد من هنا إلى السماء ،إلى عند الله،المسيح صعد أيضاً إلى نفس السماء وإلى عند نفس الإله،ولكن أنتم تبحثون عن أحجار وفي المكان الخطأ،ولا تعثرون حتى على مقدار حصاة!
أصغى إليه الجنود بوجوه جامدة وبليدة،ثم أشاروا إليه ببرود أن ينصرف!
زوجي الذي انضم إلى الحشد إبان إلقاء الشاب لخطبته،ووقف إلى جانبي،انتظر حتى أنهى الشاب خطبته وقلب راحتيه في تعجب،في إشارة أخيرة آلى الجنود الواجمين،وتقدم نحو الجنود ليوجه إليهم سؤالاً بدوره:
-هل لكم عائلات؟وأشار إلى أحد الجنود:هل لك عائلة،هل لك أولاد؟هل تريد للجيل القادم أن يعيش بسلام؟ إذا كنت تريد ذلك حقّاً فإذن ،أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله!
كان يتكلم بالإنجليزية وبحماسة شديدة،نظر إليه الجنود بعينيه الزرقاوين وشعره الأشقر:
-هل أنت صحفي؟لماذا لا ترتدي شارتك إذن؟
وحولو نظراتهم نحوي وأنا أتقدم لأضع يدي في يده ونغادر معاً،وعلق أحدهم ساخراً:
-هناك امرأة إذن وراء كل حكاية!
التفتُّ من فوق كتفي وهتفتُ صارخة:
-إنه زوجي أيها الغبي الكونت توماس!
وجذبت صرختي نظرات النساء اللواتي تابعنني بنظرات توزعت بين الدهشة والإعجاب!
نزار حسين راشد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى