مجدي حشمت سعيد - السَّطو.. قصة قصيرة

أطلقوا سراحه بعد زمن طال فانطلق يعدو فرحًا بحريته، لم يكترث لنظرات الناس الغريبة له في الطريق وهروبهم من أمامه. دخل أخيرًا إلى منزله بعد أيام من المعاناة مع أشباه البشر، ألقى نفسه على فراشه بملابسه البالية، نادى على زوجته التي جاءت مهرولة من المطبخ فأصابتها الصدمة لمرآه وعَلَتْ صرختها مدوِّية، حطَّم صراخها هدوء المنطقة الراقية في المدينة، انتفض فزعًا لصراخها فوجدها تمعن النظر في وجهه بهلع وتصيح فيه وسط رعشتها: من أنت؟!
تجمَّع سكان العمارة لندائها المستغيث، نظروا إليه بدهشة وهو راقد على السرير وسألوه غاضبين: من أنت؟! أجابهم فلم يصدقوه، انتزعوه من رقاده وحملوه ليلقوا به خارج عمارتهم، لمح صورته في لحظة خاطفة وهم يمرّوُن به أمام المرآة المُعَلَّقة في الرُّدهة فغاب على أثرها عن الوعي، خافوا من المسئولية فألقوه بعيدًا في الطريق خارج منطقة سكنهم.
سقطت أشعة شمس الصباح على وجهه فأفاق من غيبوبته، تَذَكَّر صورته المرعبة في المرآة فتحسَّس وجهه ليجده مسطحًا لا ملامح له. هرول كمجنون لينظر إلى صورته في مرآة محل قريب فأرعبه وجه لحمي غريب مخيف سلِبوا منه كل بروزاته تاركين ثقوبًا غائرة مكان العينين والأنف والفم والأذنين. كاد الخوف أن يقتله، تقاذفته دوامتا الحيرة والقلق فيما بينهما، سأل بدوره مَنْ في المرآة بخوف وقلق وحيرة: مَنْ أنت؟! مضى متعثرًا فرآه العابرون في الطريق وأفزعهم منظره أكثر وولّوا هاربين وهم يسألونه نفس السؤال. راح يعدو حتى وصل إلى النهر الكبير فكان هو الوحيد الذي عرفه من أول نظرة، ألقى نفسه في أحضانه فتلقفه النهر بحب وشفقة مُتَذَكِّرًا مطالبته بحرية الحُلم.

مجدي حشمت سعيد
عضو اتحاد كُتَّاب مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى