مجدي حشمت سعيد – القيظ.. قصة قصيرة

الشمس الحارقة تبخ الصهد فتكوي جسده المُنهك السائر مترنحًا في الطريق إلى منزله الذي بَعُدَ اليوم كثيرًا عما اعتاد. لا يقوى على السيطرة على أطرافه وأعصابه بعد يوم عمل حار وشاق ومؤلم احترقت فيه أعصابه ففقد عقله السيطرة على أفعاله كدأبه كلما اشتدَّت حرارة الجو. اتَّهمه زملاؤه بالجنون وألقوه في الطريق بعدما طرده صاحب العمل. يعرف هؤلاء البشر جيدًا أن الحرَّ هو المجنون وليس هو ولكن ماتت الرحمة في قلوبهم الحجرية وضاع العدل.

يفور الدم في رأسه العاري فيكاد أن يفجره، يتسارع لهاثه كلهاث كلب يقتله الظمأ. شُلَّ عقله تمامًا فعجز حتى عن التفكير فيما سيحمله الغد له ولأسرته المعدمة الضائعة بعد أن فقد مصدر رزقه. يسير في منتصف الطريق لا يأبه للشمس الحارقة التي تكوي رأسه وتشوي لحمه ولا حتى للسيارات المسرعة التي كادت مرارًا أن تسحقه. ترك ينابيع العرق تفيض بحرية بمائها الغزير من كل جسمه فيغطي وجهه وجسده ويتسلل إلى شفتيه ليذيقه طعم الملح المختلط بالمرارة.

ها هو قد وصل أخيرًا. حاول إدخال المفتاح في ثقب الباب فلم يستجب. خبَّط على الباب بكل ما تبقى له من قوة مقهورة ففتحت له امرأة غريبة، سألته بغيظ عما يريد؟! أجابها بكلمات متعثرة بأن هذا هو بيته، ضحكت وهي تنظر إليه بريبة، أقسم لها أن هذا بيته وأن زوجته وأبناءه في الداخل فلم تصدّق كذبه وادِّعاءه، اتَّهمته بالجنون ثم سَّبته وطردته شر طَرْدَة. أصابته الصدمة بالشلل فسقط مكانه إلا أنه استمر يطرق على الباب بقدميه بقوة وإصرار، خرج زوجها الضخم ليسبَّه ويركله بعنف ويجره بقسوة على الأرض ملقيًا إياه في منتصف الطريق. جلس على الرصيف المقابل مشدوهًا مغلوبًا على أمره منتظرًا أن يأتي بيته إليه.

مجدي حشمت سعيد
عضو اتحاد كُتَّاب مصر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى