فنون بصرية بشير خلف - الفنون الجميلة من رؤى إسلامية

" الفــن عمل يتأسس على الوعي والتفكير، مثل قطعة خشب منحوتة عمل فني لأن انجازها قام على الوعي والتفكير والحرية وتحديد الغاية."
( كانط ..فيلسوف ألماني)


الفن هو محاولة التعبير عن الجمال والحسن الذي يتراءى في أرجاء الكون، وينبعث من داخل كل صورة في الوجود، فيبهر الإنسان، ويغمر وجدانه بالإحساس بوجود وشائج نسب خفية، وأواصر تناسب عميقة بينه وبين هذا الجمال إلى حد الرغبة في الالتحام به أو الذوبان فيه.
ويعرفه الدكتور محمد ذكي العشماوي بقوله: « إن الفن هو ما يُخرجه الإنسان، من عالم الخيال إلي عالم الحس، ليحدث في النفس أُنْـساً، أو إعجاباً، أو تأثراً بالجمال .»
فالفن نوع من أنواع الانبهار بالجمال الكوني، وحالة من حالات الاستغراق في التأمل الجمالي، كما أنه قد يبتعد عن الواقع، فيكون تفريغاً للقوى المخيلة لدى الإنسان.
ووفقًا للخصائص التي تميّز بها الفنّ الإسلاميّ، نرى أنّ هناك عناصر أساسية لا بُـدّ أن تتوفّر في الفنّ حتّى يكون فنّا جميلا، منها :
1 ـ أن يكون الجمالُ غاية فيه وليس أمرا عارضا.
2 ـ أن يكون الموضوع الذي يتناوله من باب التحسينات، والكماليات، وليس من باب الضروريات .
3 ـ أن يكون فيه قابليةٌ للإبداع ووجود الجديد .
واستنادا لهذه العناصر يُقال : إن النجارة، والحدادة صناعةٌ، وليست فنّا، فالجمال ليس عنصرا أساسيا في تكوينها، وإنما المنفعة هي الأساس فيها، وهي من باب تلبية الضروريات، وليس الكماليات .كما أن البحث في نظرية علمية، أو اختراع آلة هو علمٌ، وليس فنّا لانتفاء القصد الجماليِّ ..وهكذا .
ومنه أن الحِرف والصناعات ليست فنونا، وإنما هي حِرفٌ وصناعاتٌ قد تُوصف بالدّقّة، والمهارة، والإتقان لغلبة العنصر الصناعي فيها حتّى وإن كانت تتوفّر على لمسات فنّية أبدع فيها فنّانٌ، أو بفعل الآلة . من وجهة النظر الإسلامية إمّا أنّ هناك فنٌّ جميلٌ غايته الإمتاعُ، أو هناك حِرفٌ وصناعاتٌ نفعيةٌ غايتها المنفعة.
الأستاذ صالح أحمد الشامي في كتابه " الفن الإسلامي" يوضّح الموضوع أكثر بقوله :
« …وعلى هذا نقول : فن القول فنٌّ جميلٌ ، لأن الجمال مقصودٌ فيه، والجمال من باب التحسينات، وميدان القول أيضا ليس هناك ما يضبطه، فقابليته للجديد مفتوحةٌ. والرّسم والنحت فنّان جميلان، لأن الجمال أساسيٌّ فيهما ، وهما من باب الكماليات، وليس من الضروريات، وإمكانُ الإبداع، وإيجاد الجديد فيهما .»
والسّماعُ والموسيقى فنّان جميلان، إذ الجمال مقصودهما، وهما من باب الكماليات، وميدان الإبداع، وإيجاد الجديد واسعٌ فيهما. والبناء فنٌّ جميلٌ، ذلك أن الجمال مقصودٌ فيه عادة، والجمال فيه ليس من باب الضروريات، بل من باب التحسينات، فيمكن الاستغناء عن التجميل عند الضرورة، وقابلية الإبداع فيه موجودة. أمّا حين يقتصر فقط على تلبية الحاجة والضرورة، فلا يكون فنّا إلاّ إذا رُوعيت في إنشائه قواعد هندسية، وكذلك في توزيع مساحاته، فهو حينئذٍ فنٌّ جميلٌ بهذا المعنى .
والزخارف حيث وُجِـدت فهي فنٌّ جميلٌ لانطباق المواصفات عليها. وعلى هذا الأساس فقد يصبح النجّارُ فنّانا إذا تناول عملُُه الزخرفةَ الخشبيةَ، والنسّاجُ قد يكون فنّانا حين يصبح عملُه اختراعَ الرسوم وتنفيذَها عليه ..وهكذا فنحن أمام قواعد نطبّقها ..فإذا توفّرت فثمّت فنٌّ جميلٌ وإلاّ ، فلا .»
الفنون تلك اللّمسات السحرية
أيّا ما كانت التصنيفات، أو التقسيمات، أو التفريعات للفنون الجميلة؛ فإنها مجتمعة تُشْبع في الإنسان قدرته الخيالية، وحاجته للمتعة وشوقه للحلم، والجمال الفنّي تنظيمٌ للطبيعة، فالموسيقى هي صياحٌ منظّمٌ ، والقصّة انفعالٌ موجّهٌ، والجسم الإنساني في حركاته، وما يصدر عنه من أصوات تصدر مجموعةٌ من الفنون في صدارتها الغناء، والشعر، والرقص، كما أن علاقة الإنسان بالعالم الخارجي يتأتّى عنها مجموعة من الفنون الأخرى ذات نفْعٍ له كالعمارة، والنحت، والتصوير، وغيرها من الفنون الأخرى .
كلّما سما الفكر ..ارتقى الإحساس بالفن
إن الفنون مندمجة في وجدان الإنسان، وكلّما ارتقى وعْيه، وسما فكره صار أكْثر إحساسا بالفنون التي تتنوّع، وتتفرّع باتّساع حياة الإنسان وتنوّع علاقاته من ارتباطٍ بخالق الكون، ومُبدع الجمال المطلق في الإنسان والكون، إلى علاقات مع الآخر القريب، فالبعيد، فالأبْعد..إلى سلوكيات قوْلية، وعملية تتطلّب أساليب فنّية في الأخْذ والعطاء، والتأثّر والتأثير، وتبادل المنافع..كلّ ذلك يتمّ بأساليب حضارية راقية، وذاك هو الفنّ الحقّ ..سمّهْ ما شئت : الفن النفعي، أو الفن الصنعي، أو الفن أو …الخ
وجمالية الفن الإسلامي هي جمالية داخلية أو خفية بالأحرى، يكشف عنها نور البصر والبصيرة على حد سواء، وقد افترضت هذه الجمالية ظاهرا ما يختفي وراءه وتتبطنه، هذا الظاهر قائم على الإتقان التام، والإتقان في الفن الإسلامي مظهر أساسي وتجل بارز يتبدى بوضوح عبر اكتمال الشكل وهندسيته الدقيقة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى