جمال نيازي - موسم البروكلي

مالذي سيحدث لو أنك أطفأت كل شئ.. نعم أقصد كل شئ.. أنوار المنزل.. التلفاز.. الهاتف اللعين.. جهاز الكمبيوتر و راوتر الإنترنت.. و عقلك أيضاً الدائر بلا انقطاع أو راحة منذ عامٍ أو يزيد.. مالذي سيحدث لو أطفأت كل ذلك و استسلمت لنومة في شرفة منزلك تستلقي فيها على ظهرك فاتحاً عينيك في سماء صيفية هجرتها السحب و غربت عن وجهها الشمس وحل عليها الليل ساحباً معه نصف قمر توسطها على استحياء قبل أن يكتمل مع انتصاف الشهر.. لن يحدث شئ.. لن يفتقدك و لن يتفقدك أحد.. حتى أنت لن تفتقد نفسك.. ملل الوحدة و التوحد لم يترك مجالاً لأي أمل في أن يتغير الأمر.. ماذا تنتظر.. طرقات على الباب؟ ذلك بابٌ من خشبٍ مصمت و جرسه معطل.. هذا هو التفسير الأقل إيلاماً لعزوف الزائرين.. الهاتف لا يأتي إلا بأخبار زائفة في معظمها و رسالة كل ثلاثة أيام " عامل ايه النهاردة طمني عليك" .. "بتاخد الدوا؟".. " مش محتاج حاجة؟".. ثلاجة المنزل خلت من كل شئ إلا باقات الورد الأخضر الذي يسميه الجاهلون "البروكلي".. عامٌ و نصف ولا طعام لك سواه تقريباً "البروكلي مفيد جداً لحالتك و بيحارب الخلايا السرطانية".. كلمات لبث أمل زائف في مرحلة متأخرة.. باقةٌ من البروكلي كانت شاهدة على اللقاء الأخير و المصارحة الأخيرة.. ثلاث كلمات كانت كافية لتضع حداً لثلاث سنوات "مش هقدر أكمل".. سُنّة كونية.. ما أسهل الهدم.. و أي محاولة لاستبيان الأسباب لن تكون إلا خنجراً يغرس في جسد يحتضر .. أصبح ظهور البروكلي في موسمه عند باعة الخُضر و الفاكهة هو موعد التداعي لكل الذكريات و موعد التذكير أنه قد كُتب عليك أن تُمضي ما بقي من حياتك في انتظار.. انتظار رسالة على هاتفك.. طرقة على بابك.. موتٌ تؤجله بالبروكلي المسلوق و المطبوخ و الذي أصبحت خبيراً أيضاً في زراعته و العناية به..
اطفئ كل شئ و أغمض عقلك و قلبك و افتح عينيك للنجوم المتراصة في السماء و لا تفكر في أحد.. لن يفتقدك حقاً سوى تلك الباقات الخضراء التي كنت ترويها كل يوم حتى يدركها الذبول شأن كل شئ في الحياة..
وجدت هذه الرسالة في ورقة بيضاء بجوار جسده المسجى على أرض شرفة منزله و كانت شبه مغطاه ببذور خضراء كثيفة من بقايا ثمرة بروكلي سقطت من يده أو من قصيص كبير زُرعت فيه ثمارٌ مشابهة...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى