كليمونس بولوك - معنى أن يكون الكاتب يهوديا؟.. ترجمة: عبده حقي

تقول سينثيا أوزيك: «من المحتمل أن يكون مصطلح» كاتب يهودي» مصطلحا «يحمل تناقضا في ذاته «. قبل 82 عامًا في عام 1924 أعلنت الشاعرة الروسية مارينا تسفيتيفا أنه «في هذا العالم الأكثر مسيحية، جميع الشعراء هم ذوي أصول يهودية . أنا أوزيك يهودية أيضا . لكن تسفيتيفا لم تكن كذلك. ما الذي تكشفه هذه التصريحات المتعارضة عن الادعاءات حول الأصول اليهودية والمؤلفين اليهود واليهودية باعتبارها استعارة ؟ ما الذي يجعل من كاتب ما أن يكون يهوديا؟



في كتاب «من يريد أن يصبح كاتبًا يهوديًا؟ يتناول آدم كيرش هذه الأسئلة من خلال استكشاف تقاطع الأدب والهوية اليهودية. في هذه الإضمامة الجديدة من المقالات كتب كيرش على وجه التحديد الجزأين اللذين يشكلان المجلد بدءًا من «من يريد أن يكون كاتبًا يهوديًا؟» وختاما ب «هل يوجد شيء اسمه الأدب اليهودي؟» فيما نشرت المقالات الأخرى في مختلف وسائل الإعلام وتراوحت بين تقييمه لحياة وموت الروائي القاطن في فيينا ستيفان زويج ودراسة « يهودي غير يهودي» (روزا لوكسمبورغ وإسحاق دويتشر الكاتب الماركسي وكاتب سيرة تروتسكي) إلى تحليل حي «لملائكة توني كوشنر في أمريكا».
وبغض النظر عن المقالات ذات التيمات اليهودية، فإن كتابات كيرش تنجذب بشكل بنيوي نحو الشعر من خلال خطاطات كبيرة لأعمال سيموس هيني، كريستيان ويمان، وكاي رايان. كما يتأمل أيضا في الشعر والسياسة وفي الإبداع الشعري في العصر الحديث وبتعبير هايدجر « التحول من شعر العالم إلى شعر الأرض» حيث تم استبدال الشاعر كمشرع بالشاعر الشاهد.
هذه النقطة الفضفاضة الواسعة تمنح كيرش تصورا ضروريا لمعالجة الأسئلة التي تفتتح وتختتم عمله : «من يريد أن يكون كاتبًا يهوديًا؟» و «هل يوجد شيء اسمه الأدب اليهودي؟» ويوضح أن هذين السؤالان مرتبطان في الواقع بشكل وثيق بينهما . في الصفحات الأكثر دينامية في هذا المجلد يتم استحضار كافكا وبنيامين:
تشير حالة كافكا إلى أن ما يجعل الأدب يهوديًا هو قراره بالتعامل مع النصوص والمفردات اليهودية حتى لو كان ذلك بشكل سلبي، ولا يتطلب إنجاز ذلك معرفة واسعة بالتقاليد اليهودية التي لا يمتلكها بنيامين ولا كافكا، بل يتطلب غريزة للعثور على العناصر في هذا التقليد التي يمكن من توظيفها أو حتى إساءة توظيفها من أجل بث الحقيقة الحديثة. إن الأدب اليهودي هو ما يقع في كل مرة يحاول فيها الكاتب أن يصنع لنفسه موقعا في هذا الاصطفاف القديم مع اليهودية .
يشير كيرش بشكل خاص إلى أن موروث الكتاب اليهود مثل كافكا وبنيامين يتردد – بل ويضفي الشرعية – على التصورات المعاصرة لليهودية كمسألة ثقافة وشعور وليست كاحتفاء ديني . لذا فإن اختيار الانخراط مع اليهود واليهودية هو ما يجعل من كيرش كاتبا يهوديا .
كانت العلاقة بين اليهود والكلمات أساسية أيضًا في عمل سابق لكيرش الموسوم ب: الشعب والكتب». فقد حقق الوضوح ببراعة دون تبسيط في مقتطف ومقدمة ثمانية عشر نصًا – من «التثنية» إلى «شوليم أليشيم» كنافذة على التاريخ اليهودي. لقد أنهى دراسته قبل الهولوكوست وإنشاء دولة إسرائيل. من خلال محاذاة هذين المستويين اللذين يصبان في ما هو تاريخي، تمكن كيرش من تجنب غائية الكارثة والولادة من جديد.
إن مساراته ليست ملتئمة بشكل جيد. فبالرغم من كونه ناقدا صارما فإن كيرش متعدد الاهتمامات وغزير الإنتاج أيضًا ، ويكتب في عديد من الوسائط . يصف عموده الأسبوعي بعنوان «تابليت» حيث يقدم استكشافاته للتلمود. كيرش أيضًا شاعر يحب استعمال الأشكال الكلاسيكية من أجل القبض على انهيار الحداثة المختلة المستوحاة من إليوت. يكتب على سبيل المثال في ديوانه الشعري الصادر عام 2008 الموسوم ب»غزوات» – بالأمتار والقوافي وخصوصا من نيويورك إلى صيف الممثلة جين بيركين لعام 1969.
وبصفته ناقدًا وشاعرًا، يدرك كيرش تمامًا أنه لا الشعر ولا النقد يلعبان اليوم الدور الذي لعباه في الماضي . ورغم ذلك وعكس تصريح جوناثان فرانزين الصاخب بأن الأدب لم تعد له أهمية في الثقافة، فإن كيرش لم يتوان في التأكيد على ضرورة الأدب.
ومن خلال دعمه للأدب بهذا الشكل يكشف كيرش عن ارتباطاته مع ليونيل تريلينج مؤلف كتاب «الخيال الحر: مقالات عن الأدب والمجتمع» الصادر عام (1950). (بالإضافة إلى دراسته الموجزة والمقنعة بعنوان «لماذا هو الكاتب تريلينج مهم» التي نُشرت في عام 2011 وقد نشر كيرش مراسلات الكاتب.). يتقاسم كيرش اقتناع تريلينج بأن الثقافة والسياسة لا يمكن فهمهما بدون خيال أدبي وأن الهوية أيضًا تولد من بطون الكتب. وتتجلى هذه القناعة المزدوجة مرة أخرى في كتاب كيرش الجديد، حيث يؤكد على البعد السياسي الذي لا جدال فيه بين اليهود والأدب.
هل أولئك الذين قاطعوا التقليد لا يزالون يعتبرون يهودا ؟ أم أنهم ينعتون كيهود بغض النظر عن ميولهم أو تعريفاتهم الذاتية؟
يوضح مقال آدم كيرش الأول في الكتاب كيف أن السؤال «من يريد أن يكون كاتبًا يهوديًا؟» قد أثار العديد من الإجابات المعيبة والمنتقدة . إنه يختبر ردة فعل الشخصيات الأمريكية الرفيعة التي اعتبرت كونها «كتّابا يهودا» لكنهم قاوموا هذا الوسم بشراسة. من شاول بيلو إلى فيليب روث جميعهم رفضوا امتدادهم في هذه العلامة ولم يكفوا أبدًا عن فرض أنفسهم أولاً وقبل كل شيء ككتاب أمريكيين.
على الرغم من أن أول رواية يهودية أمريكية بعنوان «صعود ديفيد ليفنسكي» لأبراهام كاهان تعود إلى عام 1917، إلا أن العصر الذهبي للأدب الأمريكي اليهودي حدث في الخمسينيات إلى السبعينيات ، وهو أدب تزامن مع ازدهار ما بعد الحرب العالمية الثانية والذي أقصى هذا الجيل من التقليديين.
يقول كيرش عن جيل ما بعد الحرب «لقد تم توجيه مسار الطموحات الفكرية لأسلافهم من إتقان النصوص اليهودية إلى الأدب ذي الملامح الإنجليزية والأمريكية».
قد يكون للأدب اليهودي علاقة حميمة مع الاغتراب : يجد كيرش مثل هذه الحالات في حقب أخرى أيضًا. يسلط الضوء على سبيل المثال على فكرة الفيلسوف سولومون ميمون في القرن الثامن عشر، وهو شخصية من التنويريين في برلين الذي تحلل من بيئته التقليدية. على الرغم من أن كيرش لم يتأخر عن هذه الفكرة إلا أن كتاب الهرطقة قد يكونون أشد الممثلين للتقاليد التي رفضوها من قبل . على سبيل المثال ، تمتزج أعمال الأخوين إسحاق باشفيس وإسرائيل جوشوا سينجر بشخصيات عدوانية من الملاحظين الذين انهاروا.
لكن هل أولئك الذين انتهكوا التقاليد لا يزالون يعتبرون أنفسهم يهودًا؟ أم هل تم تصنيفهم على أنهم يهود بغض النظر عن ميولهم أو تعريفاتهم الذاتية؟ من هو الكاتب الذي يستحق تسمية «الكاتب اليهودي»؟
عند تقييمه للإجابات المحتملة، يبدو أن كيرش يتبنى ضمنيًا تحليل سارتر في معاداة السامية واليهود والذي يفترض أن شخصا ما يكون يهوديا عندما يعتبره الناس من حوله يهوديًا. لكن وراء هذا التعريف يتساءل كيرش عما إذا كان هناك «نوع أو جوهر ما يوحد أشكال التعبير الأدبي المختلفة من قبل اليهود عبر حاجزي الزمن واللغة؟ لتوضيح الأمر بشكل أكثر تحديداً: هل قصة باللغة الألمانية بقلم فرانز كافكا ، ومقالة باللغة الإنجليزية بقلم سوزان سونتاغ ، ورواية باللغة العبرية بقلم عاموس أوز تنتمي جميعها إلى نفس الفئة؟ «
وبسبب ادعاءاته الوجودية، فإن اقتراح «كاتب يهودي» قد يثير بعض الانزعاج . لا يمكن أن تكون حتمية هذا التصنيف سوى مزعجة لأي كاتب لا يعمل في نوع طائفي لأن المفهوم يبطل المسافة بين المؤلف وعمله الأدبي والحرية الإبداعية الموجودة في هذه الثغرة.
وبالتالي ومن أجل الإجابة عن سؤاله، يضع كيرش مجموعة من المعايير المحتملة لتعريف الأدب اليهودي. وفي هذا يتابع بعض جهود أسلافه وأشهرهم سينثيا أوزيك وإيرفينغ هاو.
لا يتناول كيرش معايير هاو لتعريف الأدب اليهودي كما حدده أوزيك حصريًا «. لكن اقتراح هاو يستحق التمعن فيه لأنه يقوم بتعتيم بشكل أكبر لمفاهيم الأدب اليهودي والكاتب اليهودي.
ماذا يقول الناقد في الحقيقة عن رواية «أنديرسون ملك المطر» للكاتب ساوول بلاو حول مليونير WASP الذي أخذ أزمة الأربعينات إلى إفريقيا أو رواية «عندما كانت جميلة» لفيليب روث الرواية المبكرة غير المعروفة التي تدور في الغرب الأوسط بدون شخصية يهودية واحدة أو أية إشارة إليها ؟ هل يمكن أن تكون بعض الكتب «غير يهودية» في حين أنها تنتمي إلى أعمال يهودية ذات طابع يهودي لكاتب يهودي؟ وماذا نستنتج من غير اليهود الذين يكتبون روائع ذات طابع يهودي مثل كتاب دانييل ديروندا لجورج إليوت وهو كتاب متعاطف جدًا مع شخصياته اليهودية – وتطلعاتهم السياسية – بحيث شكل حركة صهيونية أولية في إنجلترا الفيكتورية؟ (نسبة إلى الملكة فيكتوريا)؟
وبحجة أنه موضوع يجعل الخيال مؤهلاً لوضع «يهودي» ادعى هاو أن السمة المميزة للأدب اليهودي الأمريكي كانت حكاية عن الهجرة من القارة القديمة إلى الولايات المتحدة ، ومن خلالها المواجهة بين الآباء والأولاد ودراما الاستيلاب. من دون هذا الحكي المتميز عن التجربة اليهودية، سيكون هذا الأدب اليهودي مفتقرا للوجود . وتأسف هاو في كتابها «عالم آبائنا» على أن استعمال فيليب روث للسخرية اليهودية في كتبه الأولى ،تحول إلى نقد لابتذال الطبقة الوسطى اليهودية التي لم يكن لديها في الواقع أي علاقة باليهودية.
انطلاقا من معايير مستوحاة من هاو، فإن موجة الكتاب الذين هاجروا من الاتحاد السوفييتي مثل غاري شتينجارت ولارا فابنيار هي التي أسهمت في جعل الأدب اليهودي يبقى على قيد الحياة. ولكن بغض النظر عن تراكم الأصوات الجديدة، فإن اقتراح هاو في تقدير سينثيا أوزيك كان «ينفجر ذاتيًا». ترى أوزيك أن دراما الاستيلاب لم تكن أبدا عاملا محددا للعائلات اليهودية.
بالتأكيد إن تنبؤ هاو بالانقراض الطبيعي للخيال اليهودي قد فشل. وعلى الرغم من أنه أثار أسئلة أوسع ومثيرة للاهتمام حول الأدب كمحور للصراع بين الأجيال، إلا أن الأدب اليهودي بقي خارج الجيل الأول من المهاجرين وحفدتهم. كيفما كانت مزاياها الأدبية الحقيقية يبدو أن فئة جديدة من الكتاب اليهود بما في ذلك أمثال جوناثان سافران فوير وناثان إنجلاندر كانت تتوق إلى احتضان الهوية الأمريكية اليهودية المزعجة سابقًا. فقد تحدثوا عن أعمالهم الأدبية التي تغمرها «الشخصيات اليهودية وأصداء 2000 سنة من التاريخ اليهودي» على حد تعبير نيكول كراوس في روايتها «فوريست دارك». بالإضافة إلى ذلك فقد تزامن هذا الإزهار للأدب اليهودي الأمريكي مع ظهور مفهوم الهويات المرتبطة بتأكيد الذات.
وبعيدا عن هذه الأمثلة، فإن حركة مقاومة أو المطالبة بفكرة «الأدب اليهودي» تقود إلى أسئلة أوسع في الفكر اليهودي. ترددت هذه الأسئلة على مر القرون – خاصة في العصر الحديث ومشكلة ما إذا كانت التجربة اليهودية عالمية أم خاصة على وجه التحديد.
إن كتاب كيرش يمكن أن يكون محبطًا بسبب طبيعته. يتيح الكتاب للقارئ فرصة إنشاء روابط كان من الممكن استكشافها بشكل أكثر ثراء لو تمكن من نسج بعض الخيوط بين المقالات.
ربما يكون أحد هذه الخيوط قد بدأ في مقال عن روزا لوكسمبورغ، التي حسب كيرش، تشكل «رمز المسار الذي لم يتم تبنيه «: أي الفرصة الأخيرة للاشتراكية الإنسانية في ألمانيا والتي كان من الممكن أن تمنع سقوط البلاد في الهاوية النازية. يناقش كيرش لوكسمبورغ بالتوازي مع إسحاق دويتشر كلاهما «يهودي غير يهودي» اشتراكي. وبالتالي كان من الممكن دمج هذا المقال في المقالة السابقة في المجلد المخصص لستيفان زويج الكاتب السياسي الذي أصبح رمزًا لحركة عالمية أدبية جعلته يتجاهل الواقع المشؤوم لفيينا في عصره.
لا يوضح كيرش ذلك ولكن يبدو أن هناك تقاربا بين زويغ ولوكسمبورغ. كان من المثير للاهتمام أن نلاحظ كيف كان عمى لوكسمبورغ عن حقيقة زمانها شبيها إلى حد ما بزويغ. على سبيل المثال استنتجت لوكسمبورغ خطأً أنه «حتى معاداة السامية الصريحة … لا يمكن توجيهها حقا ضد اليهود بل فقط ضد طبقة البروليتاريا. أجل الطبقة وليس الأمة أو الدين إنها الحقيقة الوحيدة. « أما بالنسبة إلى زويغ فإن واقعه الحقيقي الوحيد كان حلمه في تحقيق الأخوة الإنسانية وجمهورية الأدب.
يقتبس كيرش ملاحظة المؤرخ الإسرائيلي الراحل جاكوب تالمون المناهض للماركسية بقوة «يبدو لي الطابع الدولي الثوري الشامل للكسمبورج تعبيراً عن الشعور بانزعاج اليهودي من كونه غريبا». وبالمثل يمكن أن يظهر تفاني زويغ لإمبراطورية هابسبورغ كانزعاج لاشعوري لشخص غريب يؤمن بالتثاقف من خلال الفنون وثقافة التعايش بواسطة الليبرالية غير السياسية. وقد تبنى اليهود الألمان نفس الوهم الذي لاحظته حنا أرندت في مقالة لاذعة عن انتحار زويغ في البرازيل عام 1942.
في المقابل ميزت كل من الأممية الماركسية اللوكسمبورغية والعالمية الثقافية للزويغ «اليهود غير اليهود» الذين لن يأتيهم الخلاص من الله ولكن من الرجال، سواء في الفنون أو في الجمهورية الاشتراكية. كان بإمكان كيرش أن يجعل هذا الارتباط واضحا بين أشكالهم المتباينة ولكن المرتبطة بشكل وثيق وحميمي بالعالمية اليهودية.
يتشبث كيرش بأن الليبرالية هي الجادة الوحيدة التي من خلالها يمكن لليهود العبور إلى الازدهار.
إذا كانت اليهودية يمكن أن تكون من دون رب فلا يمكنها أن تكون من دون نص. في مناقشته لكتاب عاموس أوز «يهود وكلمات» والذي شاركته في تأليفه ابنته فانيا أوز-سالزبيرجر ، يتأمل كيرش ما تصوره الكاتب الإسرائيلي الراحل على أنه علاقة يهودية محددة بالنصوص وبثها : إنها تجارة متواصلة ودؤوبة مع الكلمة المكتوبة وقرون من التفسير الحرفي . إن موقف أوز يكرر مواقف كل من كافكا وبنيامين المشار إليه أعلاه حيث أن : الانخراط في النصوص اليهودية يصير بأي شكل من الأشكال هو المفتاح لخلق الأدب اليهودي.
ولكن لمدة طويلة لم يكن الحصول على مكان في النسب النصي خيارًا متاحًا للجميع. فقد أسهمت دراسة التلمود في تشكيل الهوية اليهودية في الشتات ولكن تم استبعاد النساء منها وتم تقييد وصولهن إلى التقاليد الأخرى. إذن من أرادت أن تصبح كاتبة يهودية ؟ ومن تستطيع تحقيق ذلك ؟
باستثناء بعض الإشارات إلى سينثيا أوزيك (ومقال عن كاي ريان وهي ليست يهودية) ، فإن فالأصوات النسائية نادرة في كتاب كيرش. لقد حان الوقت لتوسيع العرف الدائم الذي يسيطر عليه الذكور في العصر الذهبي للأدب اليهودي بعد الحرب ربما ليشمل مثلا نساء يهوديات مثل غراس بالي أو تيلي أولسن. إن هذا الغياب يثير سؤالًا آخر غير مطروق هو: هل كان المؤلفون اليهود الذكور يتصرفون ظاهريًا كمدمرين للسلطة الأبوية في حين هم كانوا في الواقع حراسها؟ أكثر من ذلك لا يوجد تفكير في النوع الاجتماعي في هذا الكتاب. ما شكل «الذكورية» التي اختار هؤلاء المؤلفون تصويرها في أمريكا وأوروبا ؟
تُظهر أعمال جوناثان ودانيال بويارين وساندر جيلمان كيف كان يُنظر إلى اليهود منذ فترة طويلة على أنهم وديعون ونسائيون كما لو أنهم لا يتطابقون مع الرموز الذكورية الغربية.
هذا يعيدنا إلى الاقتباس السابق من تسفيتيفا: «في هذا العالم المسيحي جميع الشعراء يهود.» تحول أبيات تسفيتيفا اليهودي إلى استعارة للآخر المطلق. ولكن حتى لو كان هذا صحيحًا في الجزء الأول من القرن العشرين، فهل لا يزال بإمكان اليهود أن يحضروا في دور الآخر في الوقت الحاضر؟
يقترح كيرش عكس ذلك في «ملائكة الليبرالية» اختباره لإحياء برودواي لعام 2018 لملائكة توني كوشنر في أمريكا. هنا يحلل كيرش اليهودية في المسرحية وكذلك مسألة العرق.
إن الحوار بين لويس ايرونسون – الشخصية اليهودية الرئيسية وشبيه كوشنر – وبليز الممرضة الأمريكية ذات الأصول الأفريقية ذو أهمية خاصة. في تعبيره عن إيمانه بالقيم الأمريكية، واجه لويس توبيخ بليز بأن الأمريكيين الأفارقة لا يمكن أن يكونوا جزءًا من الحلم الأمريكي. وعلى غرار اتفاق ظاهر يقول كيرش: “في أمريكا في القرن الحادي والعشرين لم يعد بإمكان اليهود أن يدّعوا بشكل ما أنهم جزء من ائتلاف المقهورين. … هذا يعني أن سياساتهم مبنية على أفكار حول الحقوق والإنصاف وليس على تجربة العجز والرغبة في إعادة توزيع السلطة «.
إن كيرش يتعاطف مع كوشنر عندما يرثي احتواء معينا حيث من خلاله جاء اليهود للاندماج مع الأقوياء والآمنين … وهي الخطيئة الأصلية في نظر كوشنر. وهكذا وجد الشرير المثالي في «روي كوهن « – الذي ناقشه كل من كوشنر وكيرش – الرجل اليهودي وراء المكارتية وكما يذكر كيرش به القارئ باعتباره معلم دونالد ترامب.
وعودة إلى الكاتب تريلينج، يؤكد كيرش أن الليبرالية هي السبيل الوحيد الذي يمكن لليهود من خلاله تحقيق الازدهار. «فقط عندما تعني الحقوق شيئا أكثر من الهويات – أي في المجتمع الليبرالي – يكون للأقليات مثل اليهود فرصة للازدهار.» وبالتالي يرى كيرش بشكل واضح أنه يتوجب على اليهود الأمريكيين أن يكونوا متيقظين لمخاطر الأمن والاحترام المزيفين والتي خضعت جميعها بالفعل لتدقيق لاذع من طرف فيليب روث منذ عقود.
كان من شأن المشاركة في كتاب «لماذا نكتب» Why Write ؟ المجموعة الأخيرة من المقالات حول رواية روث المنشورة في خريف عام 2017 قبل وفاته ببضعة أشهر، أن تضيف وجهات نظر مثيرة للاهتمام لكتاب كيرش. في هذا المجلد ضمن روث بعض النصوص حول علاقته المثيرة للجدل باليهودية . فقد اتهم روث في كثير من الأحيان بتهمة إثارة معاداة السامية من خلال عرض ساخر للتهور والشهوة اليهودية.
في رأيه فإن شكوى بورتنوي «قد توصف بأنها محاولة لتخيل اليهود» بأنفسهم والآخرين. ومن خلال مسألة الإدراك الذاتي، طرح روث عرضًا مقنعًا يقول : « في رأيي ليست مهمة الروائي اليهودي أن يصهر في روحه ضمير عرق غير موجود، بل أن يجد الإلهام في وعي تم إنشاؤه والتراجع عنه مائة مرة. «
ربما فقدان الذات هذا وفن التخريب يجسد تجربة «الكاتب اليهودي»، وبالتالي فإن «الكاتب اليهودي» في الواقع يحمل تناقضا لفظيا». هذا ما قاله كاتب يهودي.

* العنوان الأصلي للمقالة هو : من هو الكاتب اليهودي؟


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى