محمد عارف مشّة - الريح حين تجيء.. قصة قصيرة

التصقت قدماه في الطين . تعثّر في وتد الخيمة . تمايل جسده . سقط الطفل تلوثت ثيابه . دخل الغرفة الصفيّة .الأرض مبللة بالطين وقنوات ماء المطر الصغيرة . المقاعد مبتلة . الريح في الخارج تزأر . عمود الخيمة يتأرجح . المعلم يشرح . جسد الطفل يرتجف . المعلم يخلع معطفه ويلف به جسد الطفل المرتعش كعصفور مبتل . ملابس المعلم رثّة . المعلم يرتجف من البرد . الأطفال تصفق أجسادهم لرقصات خيمة تكاد تسقط فوق رؤوسهم .
الساعة السابعة صباحا . بدأ النمل في المخيم استيقاظه . يحمل الرجال في أيديهم أكياسا ورقية . والطعام فيها واحد . حبتان من البندورة . رغيف خبز وعلبة سردين من وكالة الغوث .
لا حافلات تكفي كي تنقلهم إلى رعب العاصمة . المكان ساحة المسجد الحسيني . والأمل يشع في قلوبهم أن تأتي سيارة تقلّ كل ذي حظ إلى حيث لا يدري أحد إلى أين ....... وفي المساء عودتهم مثقلة بمرارة الإهانة والجوع والتعب . الآخرون يعودون بقهرهم بلا عمل . تحزن نساء الخيام . ينتظرن موعد ( مطعم الوكالة ) ، والطعام ذاته كل يوم .
ـ أمي سأصبح دجاجة عندما أكبر . قال طفل في المخيم لأمه
*ولماذا دجاجة سألت الأم بدهشة
ـ لكثرة ما صرفت لنا وكالة الغوث من بيض يوميا في مطعمها
*أنا سأصبح سمكة . قالت البنت الصغرى وأضافت : يوميا تجبرنا المعلمة على تناول حبوب زيت السمك .
الأم لم تحزن . الأم لم تفرح . الأم تفكر فقط : هل سيوزعون ( البقج ) قبل العيد وتكون فيها ملابس تناسب أطفالها في فصل الشتاء ؟ هل سينال زوجها معطفا لبرد الشتاء ؟
ـــأمي أريد معطفا مثل معطف معلمنا . قالها طفل المخيم
*المعلم ؟ زعقت الأم وأضافت : ومن أين سأجيئ لك بمعطف مثل معطف المعلم ؟
ـ متى سيوزعون ( البقج ) يا أمي . قالت البنت
*لماذا ؟ سألت الأم ابنتها بلا مبالاة
ـ اريد ثوبا أحمر
*أحمر ؟
ـ مثل دمية ابنة خالتي ترتدي دميتها ثوبا أحمر
*وهل أنت دمية ؟ قال أخوها
ضحك الأولاد
عشعش الحزن في عيني الأم أكثر . شيء ما يهمس في داخلها قهرا ثم قالت : تأخر أبوكم . ثم همست بصوت غير مسموع : استر يا رب .
ـ أمي متى نتناول طعام العشاء .
*عندما يأتي أبوك
ـ ومتى سيجيئ أبي ؟ قالت الصغيرة
الريح تزمجر . برق . رعد . أمطار غزيرة تنساب من أطراف الخيمة . تنهض الأم وهي تقول : ( قوموا ) . قام الأولاد . لملمت الأم ما بقي من فراش غير مبتل . بيديها صارت تعمل للماء مجرى صغيرا بعيدا عن مكان نومهم . ساعدوني يا أولاد وأضافت : أستر يا رب .
هبّ الأولاد لمساعدة أمهم .
ـ أمي أين أبي . لقد تأخر قالت الصغيرة .
*أستر يا رب . همست الأم لنفسها دون أن يسمعها أحد ، ضاق صدر الأم بخوفه على زوجها
ـ أنا جائعة يا أمي وأريد أن أنام . قالت الصغيرة
*نامي . وعندما يجيء أبوك أوقظك
ـ كيف أنام وأنا جائعة يا أمي .
*اسكتِ إذن .
استيقظت الصغيرة على صوت صراخ وبكاء على رجل سقطت عليه صخرة في
( منجم الحجارة )، وقد سُجيّ جسده في خيمة ، مازال الماء يسيل من جوانبها فيزيد الأرض طينا .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى