محمد السعيد جمعة - حبة هوا.. قصة قصيرة

- احتشد من تبقى على قيد الحياة من أهل المدينة أمام الملعب الكبير للاحتفال ، واستعاد الناس ما مر بمدن وبلاد أخرى غير مدينتهم من كوارث طاحنة أدت إلى زوال تلك المدن بل ومحوها تماماً بعد خرابها وفناء ساكنيها فصرخوا من فرحتهم وهللوا ثم بدأوا طقوسهم الاحتفالية المعتادة فى مثل تلك المناسبات من رقص وغناء وكلمات يمتزج فيها حبهم للمدينة بشعارات حماسية وأهازيج تسر القلب وتزيل الهم..
..ولسوء الحظ كانت بطاقة شحن الهواء الذكية قد انتهت قبل نهاية الاحتفال فتساقط العشرات من الحاضرين فى حالة إعياء شديدة ، وعلى الفور هرع أحد المسئولين بوزارة الهواء لإعادة شحن البطاقة وبعد دقائق قليلة عاد إلى مكان الاحتفال وأعاد الهواء .. ولكن بعد أن لفظ أكثر من نصف الحاضرين أنفاسهم الأخيرة فتقدم عدد من عمال النظافة وأزاحوا الموتى جانباً ، ثم استكمل المحتفلون ما تبقى من احتفالهم الصاخب!
لم يكن ذلك الحادث بالشيء العجيب أو غير المألوف..
فلقد أعتاد أهل المدينة على حدوث حالات وفاة جماعية بسبب أزمة نقص الهواء في المدينة ولا داعي بالطبع لقطع متعة الاحتفال بسبب عدد من الموتى..
..ويذكر أهل الحل والعقد أن أزمة الهواء تلك لم تكن وليدة الصدفة وإنما فرضتها ظروف حتمية لا يدركها إلا كبار الخبراء فى اقتصاديات الهواء فى المدينة!
فمنذ عدة سنوات بدأت بوادر تلك الأزمة بسبب الإنسانية الطاغية لدى كبار المسئولين فى المدينة الذين دفعتهم طيبة القلب إلى أن يسمحوا لجميع أهل المدينة بالتنفس دون قيد أو شرط!
ويبدو أن الناس أساءوا استغلال ثقة المسئولين وكرمهم الطاغي فلقد أسرفوا كثيراً في استخدام الهواء ولم يكن لديهم من الوعي ما يجعلهم جديرين بالتنفس هكذا دون قيد أو شرط ، ولأن المدينة تحكمها قوانين عادلة قامت لجنة من المتخصصين فى اقتصاديات الهواء بعرض شريط فيديو لأحد المواطنين في إحدى الحدائق العامة يرفع ذراعيه إلى أعلى وهو يستنشق الهواء بطريقة لا تنم عن حرصه على المصلحة العامة للمدينة!
وبعد أن قام الخبراء بفحص وتحليل هذا المشهد اعتبروه دليلاً على التسيب والفوضى ، ورأى الجادون منهم أنه جريمة تستوجب العقاب الرادع له ولأمثاله من المخربين..
وبعد دراسة متأنية قرر السيد وزير الهواء تعديل منظومة هواء التنفس ؛ فأصبح على كل مواطن في المدينة أن يستخدم بطاقته الذكية للحصول على حصته المقررة من الهواء..
..ولاحظ الجميع أن الفوارق كبيرة وواضحة في كمية الهواء المتاحة من شخص لآخر في المدينة.. ولكن الحق يقال:
"أعداد الموتى بسبب نقص الهواء لم تتجاوز الحدود المسموح بها فى المدينة حتى الآن"
…أذكر أن أحد المواطنين تم القبض عليه منذ عدة أيام متلبساً بالتسلل إلى بيت أحد المسئولين في المدينة من أجل "حبة هوا".. وبعد أن أشبعوه ضرباً وتوبيخاً..
لفظ أنفاسه الأخيرة..
.. يبدوا أن حصته من الهواء قد نفذت ! -

.......................................................
* " حبة هوا" قصة من كتابي "حاسة الموتى"
صادر عن دار النسيم -2018 ..سبحان الله !
محمد السعيد جمعة -6 / 6 / 2020 .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى