محمد مزيد - النادلة الراقصة.. قصة قصيرة

منذ أسبوع ، وأنا أحب تناول الطعام الخفيف في مطعم معين ، بعد وقت الغروب . بحيث لما أعود الى البيت في العاشرة ليلا ، تتضايق شريكتي من عدم شهيتي لطعامها ، لا تدري المسكينة ، إنني في الحقيقة أتناول طعامي خارج الشقة ليس حبا بالطعام ذاته ، بل بسبب نادلة تقدم الوجبات ترتدي بنطلونا ضيقا أظن كيم كردشيان ستحسدها على ما يضمره من التفاصيل . كل يوم تعاتبني سيدة البيت على عزوفي من تناول طعامها وقت العشاء ، وأنا أقدم لها المبررات الواهية غير المقنعة . بمرور الأيام بدأت النادلة الشقراء تتعرف علي جيداً ، تتأملني ، تراقبني ، أراها من خلال الزجاج المظلل كيف تنظر الى جلستي بإرتياح بالغ ، ولاتعرف إنني أعلم كيف تراقبني . ليس وسامتي ما يشغل أهتمامها طبعا ، وإنما لاسبابٍ بقيت خافيةٍ عني حتى هذه الساعة . قبل تناول الطعام ، أطلب عصير الخوخ ، أتلذذ به قرابة نصف ساعة ، وأستمتع بالوقت نفسه حين رواحها وغدوها تتنقل بين الموائد تعزف موسيقى جسدها على إيقاعات لم يبتكر العقل الموسيقى لحد الآن ما يتناسب مع جمال رقصتها الحنحونية (رجاء لاتبحثوا عن الحنحونية في كل معاجم اللغة ). أقمت علاقتي الخفية معها بسبب ما أتركه من البخشيش بحرحارة يدها الحانية ، وهي بالمقابل بدأت تضع قدحا فيه وردة الياسمين على منضدتي . لا تعلم هذه الفاتنة إنني لا أبالي بالورود ، جئت إليها من أقصى الحزن البشري ، من بلد جُرِحت كرامته بعمق ، فلا يلذ لي تتبع سخافات الشغف بالورود . تطورت الأمور بيننا إذ أخذت النادلة بعد جلب قائمة الحساب بوضع ورقة صغيرة بحجم أصبعين تحتها في الماعون النحاسي . اقرأ ما مكتوب فلا أفهم معناها ، مثلي مثل اطرش بالزفة . هرعت الى البيت لترجمة الكلمات الثلاث من قبل غوغل الحباب فلم اهتد الى المعنى . ( حبوب ، ضغوطات ، مسارات ) ، لا أريد جلب صديقي المترجم معي الى هذا المكان ، لانني سأفشل مشروع سعادتي المؤقته معها . خلال اليومين الماضيين تقربت كثيرا منها ، حدثتها بالعربية عن لوعتي وأشتياقي لاضمها بلهفة الى صدري الذي يشكو فقدان الحنان منذ حرب ايران المجوسية . طبعا هي لاتفهم ما أقول لكنها تصغي مبتسمة وزميلاتها ينظرن إليها وهن يتهامسن .عرفت كأي ثعلب عجوز إنهن يتحدثن عنها وهي تقف صاغرة مصغية لاتفهم إي كلمة مما أقول . قرأت لها مقاطع من قصائد كزار حنتوش وعبد الامير جرص ورياض أبراهيم ، أصدقائي الثلاثة الذين أحبهم أكثر من كل الشعراء الصعاليك في هذا الوجود . كانت هي بالمقابل حينما أنهي وصلتي الشعرية ، تبتعد عني ضاحكة تمشي بتلك الرقصة الحنحونية لا أجمل ولا أنبل منها ، بحيث تجعلني أحلق في المداميك وتلعن أبليس أبليسي ألف مرة . قلت لها في اليوم التالي أنا عطشان الى الحنان ، وهي تضحك ، يحّمر وجهها الابيض الحليبي وتفرد شعرها بإصابع مخروطية ثلجية . في هذا اليوم لم آت مبكرا ، كعادتي ، بل خططت لأكون آخر زبون يغلق المطعم من بعده . أريد أن أرى أين ستصل الامور . وفعلا ، كنت آخر الزبائن ، دفعت الحساب ، وألقيت عليها قصيدة من تأليفي ، طبعا قصيدة عنطوطية تتلائم مع رقصة مشيتها الحنحونية . ولما خرجت من المطعم أنتظرتها في مقهى المقابل بالشارع نفسه . أمطرت الدنيا أثناء خروجها من المطعم ، فوضعت قبعتها اللاصقة بقمصلتها الخضراء على رأسها ، لحقت بها وكدت أتعثر من زغردة العصافير في قلبي . ألتفتت فوجدتني أسير خلفها أبتسم ببلاهة فابتسمت هي أيضا ، ثم وضعت يدها تحت ذراعي وسارت بي . مشينا بحدود نصف ساعة في ازقة مشعة بلون برتقالي حتى وصلنا الى شقتها .دخلنا . خلعت قمصلتها الخضراء ، قالت لي كلمات لم افهم معناها ، ولما وجدت حيرتي ، أخذت تخلع سترتي السوداء وقالت لي مع إشارة واضحة بضرورة الدخول الى الحمام . دخلت الحمام وفرغت مثانتي ، بقيت مرتديا بنطلوني المبلل . لكنها لحقتني وأغلقت الباب خلفها . لديهم هنا مرض أسمه النظافة ، يسبحون قبل الخروج ويسبحون بعد أنتهاء عملهم . كانت ترتدي البرنص ، مغلق من الاعلى الى الاسفل ، لا يبرز إي شيء من تفاصيل جسدها . دخت سبع دوخات ، خفق قلبي بشدة ، مو بهذه السرعة يمعودة . طلبت مني خلع بنطلوني ، شعرت بالخجل والخوف من العواقب الالهية ، أبليسي مازال يحرضني على فعل المجون ، وقريني العاقل يقول لي أفلت يا هذا أنت في عمر لايسمح لك بالزنى . أعطتني ظهرها وبدأت تفك حزام البرنص ، يعني هذا أن لا فكاك لي من المثول الى أرادتها ، تقفيصة محترمة يجب مطاوعتها ، ولما أنهت فتح حزام البرنص ، وألتفت الي بكامل جسدها ، وقعت الى الخلف من هول المفأجاة ، تلقاني مقعد التواليت ليأخذني إليه بحنان . شعرت بالرعب . خرجت من الحمام بسرعة ، أصطدم رأسي ببابه ، أخذت سترتي من الصالة ، أرتديتها وأنا أركض ، أنهزمت أبحث عن باب الشقة وبصعوبة مسكت أكرته ، ثم أطلقت قدمي للريح والمطر . لن أخبركم ماذا رأيت.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى