سعد الشلاه - الغجريُّ الأحمر.. شعر

يا صديقي أيّها الغجريُّ الرابضُ في داخلي
لماذا تخجلُ من وجهِك الأحمر الذي تبعثرَ على الأرصفة؟
وجهُك الذي يكادُ يضيءُ وإنْ لم يمسسهُ نور
قمْ؛ وتمسّكْ بفقرِكَ الفولاذيّ إنْ شئتَ
لقد رُفِعَ الحجابُ وبدأتِ الأحلامُ
وإنْ أحببتَ أن توزّعً صبرَكَ بيننا فلا تتأخر
لأنَّ الوقتَ يمضي والخلوةَ لا تحبُّ الانتظار
اعلمْ يا صديقي أنَّ صمتَكَ هذا أعيى السطورَ كلّها
ولم يعدْ للسحرِ بينها مكان.
لا تنتظرْ موسمَ المطرِ لكي ترى الآخرين
فأنتَ موجودٌ بالقوةِ وفي كلِّ المساراتِ
وأنتَ تراهم على حقيقتِهم بعينِكَ الثالثة.
هيّا اشربْ كأسَكَ الأخيرةَ على عجل
وانشدْ ما عنَّ على رأسِكَ في الليلةِ الماضية
عندما نفدَ الزيتُ في سراجِكَ الوحيد
عندما أشعلتَ للأفكارِ أصابعَ يديك
ثم اخبرني عن سرِّ بلادِ النهرينِ
أزِفَ الوقتُ لتأخذَ من طينِها قبضةً وتخلقُ براقاً للعروج
به تراوغُ السماءَ، فنظركُ الآن حديد
لا تأسف حين يعتلي ظلُّكَ الخفيفُ
دعْهُ يرتفعُ لعلَّهُ يصلُ إلى قمّةِ العشقِ البليغ
العشقِ الذي أضناكَ منذُ عشراتِ السنين
أضناكَ منذُ أنْ اطلعتَ على تفاصيلِ جسدِها
جسدِها الذي نذرتَ ربابتَكَ بين سدرِهِ والنخيل
والذي رسمتَ لهُ جداريةً عصماء
نكايةً بالخيامِ المنتشرةِ على أكتافِ الشوارع
الخيامِ التي تحرّرتْ من أوزارِ العصر
وما زالت تقايضُ القسوةَ بالغناء
انهض أيّها الغجريُّ الأحمرُ أيها الناعمُ كالحُلم
لتكونَ الشاهدَ الوحيدَ على رحيلِ الأنبياء من بساتينِها
لتُرسلَ شراعَكَ الرخْصَ بين أمواج فراتِها
وجّهْ دفّتَكَ بعنايةٍ شديدة نحو عجيبتِها
لا ترتبكْ حتى وإنْ خانتْكَ البوصلةُ
فالسرُّ الذي ستكتشفُهُ عظيمٌ
وتذكّرْ عندما تحلَّ العقدةَ الأولى من رابطِ التاريخ
عليك أنْ ترتّلَ ما تيسّرَ من ملحمةِ بستان قريش
لكي تلجَ قلبَها من أوسعِ الأبواب
عند ذاك قبّلْ جبهتَها وعفِّرْ خدّيكَ بترابِها
ادخلْها آمناً واحلُلْ في جسدِها روحاً هائمةً أخرى
وانتظرْ قليلاً حتى تغمرَكَ برحيقها البابلي..

13 كانون الثاني 2020
أعلى