نزار حسين راشد - فاتورة الحساب

لا أذكر السّنة التي غيّرت مجرى حياتي، ولكنها قريبة كالحُلُم، وحاضرة كأمس، ومرسومة بدّقة على مقاسات وجودك، ساجيةٌ ورقيقة كما أنت،متناسبة كقسمات وجهك، بلا نفور، ولا ضمور، ومقروءة كنظرة عينيك، حين تلقين بها نحوي كسؤال برسم الإجابة.
كانت حفلة تعارف بسيطة، كلمات، مجرّد كلمات، لا أذكرها تماماً، وكأنها تعويذة، أدخلتنا إلى ذلك العالم الساحر، حيث تلتقي الأرواح كقبلة خالدة، يحتشد فيها رحيق الشفتين، كتعبير عن امتنان للقدر الّذي هيّأ لنا هذا اللقاء، في خفاءٍ عن عيون العالم المتطفّلة.
وحين سَرَقت خُطاك طريق الحياة، تعلّقتُ بكُلّ ما تركتيه خلفك من آثار، وجمعتها في خيالي، قطعة قطعة، لأبعثك حيّة من جديد.
أمس التقيتُك في أرض الأحلام، لرُبّما أتعبك الغياب فقرّرت الحضور هكذا دون مسبق إعلان، منتهزة غفلة النيام.
لم يتغيّر فيك شيء، إلا أنك أصبحتِ أكثر رصانة، تلك الرصانة التي تُحصّنك من جرأة الطامعين في ودّ عابر، تضنّين به عليهم، فقلبك مجيّرٌ إلى غير رجعة، لحساب هذا القلب العاشق، الذي تمتلكين وحدكِ رمز فكّ أقفاله، وتتركينه في غيابك موصداً، وكأنّ مفاتيحه ألقيت في بحرٍ بعيد، يعجز عن إحضارها، حتى عفريتٌ من الجن.
الغريب أنّك حضرتِ بصحبة من تحبّين ، وكأنّك مثقلة بالوحدة، التي تبدّدينها برفقاء الطريق.
وحين احتوانا جوٌّ من الأُلفة، تصافحت أرواحُنا بحُرّية، وكأنّنا خِلّين في خلوة، في حِلٍّ من وجود الآخرين.
هكذا تدورُ حكايتنا، ساعيةً نحو الإكتمال، وكأنّنا نتهيّأُ للحظةٍ ما، لنفلت طرف تلك الأواصر التي نتعزّى بها لحين اكتمال اللقاء.
وحين انفضّ الحفل، ووجدتني جالساً في سريري، منتعش الرّوح، استعدت تفاصيل اللقاء، لقد تتاولنا العشاء معاً، ودفعنا فاتورة الحساب، حتى أنّني تذكّرتُ المبلغ على وجه التحديد، خمسة وسبعين ديناراً ، حتى أنني اندهشت لكونه أقلّ من مائة.
وبحركةٍ غريزيّة، تحسّستُ جيبي، وخشخش شيءٌ في داخلها، تسارعت دقّات قلبي، واستللتُ ما بداخلها بحركة خاطفة، وبسطتُ فاتورة الحساب أمام عيني، كان الرقم في ذيلها واضحاً، خمسةٌ وسبعون ديناراً فقط لا غير. تكاثفت حبّات العرق الباردة على جبيني، ومشيت عابراً جدار الوهم وقد أسفر وجهي عن ابتسامة واسعة.

نزار حسين راشد
  • Like
التفاعلات: فائد البكري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى