د. نعيمة عبد الجواد - أنا وهو وهي.. قصة قصيرة

صفقت الباب خلفها بكل عنف، وهي لا تزال تحاول جاهدة أن تزحزح بصعوبة حقيبة سفر كبيرة الحجم ثقيلة، لم يقدم لها أحد يد العون حتى بداخل المنزل، بالرغم من تواجد رجل فتي قوي البنية بالداخل. تركها لتفعل كل شيء بنفسها، وكأنها تحمل خطاياها على ظهرها. وعندما ضغطت زر المصعد، لم يرتسم على وجهها إلا أمارات من اشمئزاز يفوق ما يعتمل بداخلها من غضب وحيرة.

وبانفتاح أبواب المصعد، رأت باب الحرية ينفتح أمامها، واعداً إياها بحياة أفضل، وراحة نفسية حرمت منها على مدار سنة كاملة، مرت عليها وكأنها عقود طويلة. وبالرغم من الصعوبة التي تواجهها عند دفع الحقيبة بداخل المصعد، لكنها كانت تدفعها بعزيمة لاتتوانى، بل شعرت وكأن قوتها قد تضاعفت بسبب لهفتها على الانصراف. تنفست الصعداء فور دخولها المصعد، متناسية ما كانت تقاسيه عند دفع الحقيبة. ورغم عنها، ندت على شفتيها ابتسامة رضا، وسعادة، جعلتها تبدو وكأنها طفلة جذلة.

ماجت برأسها ذكريات جميعها مؤلمة، فأشاحت بوجهها بكل عنف وهي تغمض عيناها وكأنها ترغب بذلك أن تنفض جميع الذكريات والأحداث التي لطالما قطعت روحها إرباً، إلى أن جعلت منها شبح إنسان لا يعرف رفيقا إلا التعاسة والحسرة.

فلم يكن زواجها ممن تحب هو الانتصار ونهاية المطاف؛ بالرغم من أنها قد تزوجت من فتى أحلامها، ذاك الرجل الذي يشع دوماً رجولة وشهامة، ويفيض حباً وطيبة. فهو كان، ولايزال، يغمرها بالحب، والدلال الذي تتلهف عليه أي إمرأة، لكن كل ذلك مرهون بمدى رضا شقيقته؛ فشقيقته الصغرى بالنسبة له هي الأم التي عوضها الله بها بعد موت أمه، ومن أجلها قد يطأ أي شئ بكل ما أوتي من قوة؛ ليحظى برضاها.

تذكرت رضوى أنها حاولت التغاضي عن ذلك الأمر لعل الأيام تعدل من سلوكه للأفضل، لقد فعلت ذلك عن اقتناع تام بعد الأخذ بمشورة من يفوقونها عمراً وخبرة. ولعلها أصرت على إنجاح زواجها لأن زواجه الأول لم يكن موفقاً؛ بسبب زوجته الأولى التي كانت تبتز أمواله، وتهدر مشاعره وشبابه. لكن فيما يبدو أن صبرها قد جعله يستحل ابتزازها، في حين كانت شقيقته تبتز عمره وزيجاته. وبعد مرور عد شهور على زواجها، علمت رضوى أن شقيقة زوجها هي من تسببت في طلاقه من زوجته الأولى، وكذلك طلاقه من أخرى سابقة لتلك الزوجة، لم تكن رضوى تعلم عنها شيئاً، حتى وقت قريب.

لكن اشتعل زواجها عندما طلب زوج رضوى منها – شبه آمر – أن تعطيه مدخراتها على سبيل الدين؛ لأن أخته ترغب في أن ترسل ولدها للدراسة في الخارج، وما لديها من نقود قد لا يكفي، وكون زوج شقيقته ميسور الحال، لا ينفي دوره كخال حنون.

اعترضت رضوى؛ فهي كانت تقرضه فيما سبق مبالغ ليست بالضخمة، ولم تبال أنه كان لا يردها. لكن في هذه المرة فإن المبلغ يفوق طاقتها، فما كان من زوجها إلا أن استل سكيناً حاداً من المطبخ مشهراً إياه في وجه رضوى، مهدداً بطعنها، ليرث كل ما تكنزه من نقود؛ ويمنحها حينئذ لأخته. “أختي أحسن منك”، هكذا ختم تهديده لها، ولطالما كان يؤكد ذلك قولاً وفعلاً. شلت الدهشة رضوى بعد أن هدأت ثورة زوجها، خفض سكينه المشهر متأسفاً، واستحلفها ألا تخذله هذه المرة.

لكنه كان هو من خذلها، وفتح عينها على حقيقة أنه لا مكان لها في قلبه وحياته. فقررت أن تدعه هو وشقيقته ينعمان في سعادتهما؛ هو ينعم بحب شقيقته والتضحية من أجلها، وشقيقته تنعم بأخٍ يضحي بأي شئ من أجلها، وبزواج سعيد تحقق فيه نجاجاً تلو الآخر.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى