موسى حسن شاري - بلا حواس..

تباً لهذا الزهد وويل لهذه الرهبنة.. كم سنة وأنا لم أقرب هذه الناحية.. ثم أليست هي غريزة طبيعية وحاجة إنسانية فلماذا توصف بالشهوات السفلى والغرائز الحيوانية، إنها مثل حاجتي للأكل والشراب تصور أنني أظل سنيناً في جوع وعطش مستحيل حتماً سأموت، لقد طرأت تحولات كبيرة على تصرفاتي حيث صارت أكثر حدة وعصبية، ومرات انفعل دون سبب مقنع، إنها نتائج وردود للكبت الذي أرغمت نفسي على تحمله، في الأسبوع الفائت كنت ماشياً في الدرب صادف أن إمرأة أمامي راجعة من السوق تحمل في يديها أكياساً فيها المشتريات كانت مربربة شد انتباهي اهتزاز أردافها مع كل خطوة تخطوها يبدو أنها أحست بوجودي فأخذت تتعمد إثارتي حاولت عبثاً صرف نفسي من الاستمرار في مراقبتها ولم أشعر بنفسي إلا وقد انتصبت تماماً كمن تناول مقوياً جنسياً، وخوفاً من ملاحظة المارة لي جلست على قارعة الطريق في عز النهار، فإذا بي أثير فضول الناس حيث في دقائق تجمهر حولي عدة أشخاص رجال ونساء وأطفال، سألني رجل منهم ماذا تشعر؟ أجابت نيابة عني عجوز
أصابه دوار،
وقال آخر
ضربة شمس
صب أحدهم ماء فوق رأسي وأحضرت لي واحدة عصير ليمون، بعدما تيقنت من زوال الحالة قمت وذهبت في سبيلي مخلفاً ورائي شفقة أولئك النفر من الناس، وشرعت ألعن تلك المرأة ذات الأرداف.
وقيل لي في الصوم فائدة، وعلى الرغم من أنني شبه صائم على طول السنة، صمت وأكثرت من الصوم إلا أنه كأنني لم أفعل شيئاً إزاء هذه النار المتأججة من الشهوة كما لو أن معدني يختلف عن باقي البشر، أما الزواج.. يا لسحر إيقاع نطقها وجرسها من كلمة، أصبح الزواج حلماً رومانسيا شيء بعيد عن عالمنا عالم اللامثل (يوتوبيا) في مكان خفي من دهاليز الميتفيزيقيا، فأنا أصارع في سبيل الحصول على لقمة العيش تستغرق وقتي هذه المسألة ولا أظن بأنني سأكون في مستوى طموح أبسط البنات في انجمينا في خضم هذه التقليعات وسلسلة المطالب التي لا أول لها ولا آخر لأهل العروسة.
في ليلة البارحة فقط استحلمت ثلاث مرات، لا بد من فعل شيء لا يمكن أن أظل على هذا التوتر، إن الحرمان يأكلني، وفجأة خطر اسمها على باله مترادفاً مع شكلها وابتساماتها التي تظهر سنها الذهبي، إنها ميمونة فعهده بها أنها تحبه غاية الحب وفي كل مناسبة تحاول إغراءه رغم أن روح الاستجابة كانت عنده ضعيفة حيث كانت تصطدم موجات الإغراءات المتتالية تصطدم بصخرة أحاسيسه المتبلدة، فهو لا يرى فيها أكثر من طفلة بائسة سحقتها الظروف ولا يريد أن يلعب بمشاعرها، إلا أنه مع مرور الوقت تحولت ميمونة إلى شيء آخر قيل بأنها صارت تلعب مع الكبار، لذلك صار بيتها لا يخلو في يوم من سيارة مسؤول كبير في جهاز الدولة فكر في بياض بشرتها وكيف تحول من ذلك الداكن إلى هذا الفاتح، وفي امتلاء جسدها، وقال إن المساحيق والفيتامينات وراءهما، وربما كانا السبب والباعث الحقيقي لتكالب تلك الشخصيات، ثم أضاف ولعلها مثيرة في لحظة اللقاء، وهو مما لا شك فيه وإلا إذن ما هو مبرر تنافس هؤلاء في حين هم متزوجون من نساء أكثر فتنة وجمالا من ميمونة، والغريب في الأمر حقاً، هو رغم تغير أوضاعها خمس وثمانين درجة فهي لا تزال تعيره ذلك النوع من التقدير ففي إحدى لمرات كان ماشياً على رجليه في عز الهجير توقفت أمامه سيارة فارهة مظللة المرايا جزع أن يكون رجال الأمن والمخابرات أرادوا خطفه رغم أنه لم يفكر ولا مرة في القضايا الكبيرة، فلم تكن إلا ميمونة هي السائقة حين انخفضت المرايا فركب وأوصلته إلى باب المنزل كما كانت كثيراً ما ترمقه بنظرات تنم عن شهوة عارمة وهي تلقي عليه السلام مارة من قرب بيتهم.
لم يشعر بنفسه إلا وقد خرج متجهاً صوب منزلها، ولحسن الحظ لم تكن عربة من تلك العربات الفارهة واقفة في الخارج طرق الباب بتوجس كسارق، فإذا بها تفتح الباب، فتكهرب جسمه بالكامل وسرت رعدة في أوصاله وافلتت منه فسوة خفيفة من شدة المفاجأة قادته مباشرة إلى غرفة النوم بهرته الأثاثات الفاخرة، كانت الغرفة عائمة في إضاءة خافتة أشارت إليه أن يجلس على السرير، في البداية شعر بالإحراج لأنه لم يتعود على مثل هذا المرقد الوثير نهضت لتعد له كوباً من الليمون كما لو أنها لاحظت توتره، فألقى بنظره على قفاها ثم نزل على ظهرها وركزها على مؤخرتها ثم تدلى ليطوف بالساقين وهي مقبلة وفي يدها العصير ثبت نظراته على ما بين نهديها المنتفختين حتى أوشك أن يذوب قضى على العصير بسرعة رهيبة، نظر إليها بعينين وحشيتين رمقته بنظرات مفترسة، قال في سره سآكلك أكلا شعر بعينيها تجيبان سأمتصك مصاً قرب فمه من فمها لفت انتباهه سواد لثتها، تذكر صراع الأفعى والضفدع من يفتح فمه أوسع يبلع الآخر، عانقها وعطر الخمرة يغسل جسدها والبخور يتصاعد مالئاً أرجاء الغرفة، انفكت منه لتهب له نفسها كما خلقها الله، وهي تفتح ذراعيها لتعانقه من جديد، أمر جديد بدأ يظهر له شيء غير طبيعي رائحة كريهة، بدأت تصدر من مسام جسدها في البدء كانت الرائحة خفيفة ثم أخذت تتفاقم وتتعاظم وتطغى على رائحة الخمرة والبخور وتراجعت الروائح الذكية بينما أخذت رائحتها النتنة تنتشر، حاول مقاومتها إلا أن الرائحة بدأت تتسلل إلى عينيه وأنفه وتتغلغل في أعماقه وتكتم أنفاسه شعر بأحشائه تهتز وكأن دوامة تدور بداخله وفجأة ابتعد عنها بصورة مباغتة وأشاح بوجهه وراح يتقيأ اقتربت منه مجدداً لتعرف ما أصابه فإذا بالرائحة تضطره إلى أن يتقيأ بصورة أكبر.
فابتعد عنها وركض بعيداً أرادت أن تتبعه أشار إليها بحركة من يده فتسمرت في مكانها خرج إلى الشارع وظل يتقيأ مدحرجاً رأسه على إحدى المجاري حتى سكنت الاضطرابات في جوفه ولفحه نسيم عليل فنهض وسار منقلباً إلى منزله وتحدث في نفسه هازئاً ومستخفاً بالمسؤولين الكبار الذين يتدافعون إلى منزلها كيف لم تنفرهم هذه الرائحة وهل الحاسة عندهم سليمة أم هي من نوع آخر أم أنهم بلا حواس.

رئيس تحرير صحيفة الشاهد
موسى حسن شاري
انجمينا / تشاد

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى