حاميد اليوسف - سارق الإبل

تمشى قليلا كما نصحه الطبيب ثم عاد الى البيت . أعد كأس شاي بدون سكر تناول رشفة . أحس بأن المذاق مُرّ . رن جرس الهاتف . فتح الواتساب فأطل عليه وجه رئيس الحكومة السابق . كثرت هذه الايام الفيديوهات التي يظهر فيها الرجل ، يقول كلاما ثم ينقضه . سأل نفسه وهو يضع يده على جنبه لتحاشي ألم خفيف أحس به في بطنه :
ـ هل تعتقد أن ما يقوله رئيس الحكومة السابق حول وضعه المالي صحيح ؟
فأجاب دون تردد :
ـ في المغرب أغلب الناس يكذبون ، ويطلبون التوبة بعد كل صلاة . لا أحد يصرح بدخله الحقيقي .
ـ ولكن هذا رئيس حكومة سابق ، وزعيم حزب بمرجعية إسلامية . يقول بأنه أقام سياسته ، وبرنامجه على احترام الأخلاق ، والقيم الدينية ومنها الصدق وإعلان الحرب على الفساد ، والصراحة مع المواطن المغربي الذي منحه صوته في الانتخابات .
ـ ولذلك عندما أدخل الدين في السياسة سيكذب أكثر من غيره ، وسيصدقه الناس ، لأنهم يحلمون بأن يحكم البلد رجل دولة ورع وصادق ومتخلق وعفيف . وفي كل مرة يقول الناس بأنهم وجدوا الرجل الذي يبحثون عنه . وبعد سنة أو ثلاث يخيب حدسهم .
ـ الناس تتبادل في وسائل التواصل الاجتماعي الأخبار التي تُكتب في الصحف والمواقع . ويحكون بأن الرجل يستثمر في التعليم الخصوصي ، ويحصل على معاش بقيمة سبعة ملايين سنتيم خالية من الضرائب ، وحافظ على سيارة الدولة التي تنقل بها أثناء ولايته رفقة الحراس الخاصين . وربما يخصص له الحزب دخلا آخر من خلال الدعم الحكومي الذي يتلقاه ، ناهيك عن الهدايا القيمة التي قد يتلقاها من بعض أثرياء الحزب أو المتعاطفين معه . وعلى ذكر التعليم الخصوصي ، سمعت معلمة تروي لصديقتها بأن صاحب المدرسة التي تعمل بها وهي مدرسة متوسطة الحجم ، وأصغر من مدرسة رئيس الحكومة السابق ، يربح أكثر من عشرة ملايين سنتيم في الشهر . ويتهرب من أداء الضرائب .
كل هذا ويصف وضعه بأنه أكثر من حمار ، وأقل من بغل !.وماذا بعد البغل غير الثور و الحصان والجمل ؟ وماذا يشبه بقية العمال والموظفين الصغار ، الذين يتقاضون بالكاد الحد الأدنى للأجر ، ولا يجدون أحيانا حتى ما يأكلون ؟ الصراصير أم الفئران ؟
ـ بالأمس كذب وزير من نفس الحزب ، بعد أن بلغ من الكبر عتيا ، أراد أن يجدد شبابه ، فتأبط ذراع مراهقة في أحد شوارع باريز ، تبدو في سن حفيدته . ربما أغراها بأن يجلب لها حليب العصفور ، أو وعدها بأن يقطف لها قطعة من شجرة (الكراميل) حسب تعبير رواد غابة الشباب بمراكش . في عصر الفايس بوك أصبح الناس يصدقون كل شيء . وإذا كانت أذكى بقليل سيشتري لها كل ما تشتهيه نفسها من مجوهرات وثياب وعطور ، ويُسكنها في بيت لن تطأ مثله حتى في الأحلام ، شريطة أن تلاطفه في الفراش كما تلاطف عاشقا في سنها . قد تراهن على موته في القريب العاجل ، لكن مثل هذه الخلائق لا تموت بسرعة ، قبل أن تعذب من يتمنى لها ذلك .
وكذبت قبله الأرملة صاحبة العين تزني ، لتختلي بعد صلاة الفجر بفقيه متزوج في سيارة مرسيديس في الخلاء وهي التي شنفت أسماع الفتيات المراهقات بان كل اختلاء زنا . رصدتها العين التي لا تنام .
وكذبت بعدهما البرلمانية التي أقامت الدنيا وأقعدتها حول قرصنة حسابها الفايسبوكي ، واتهمت أصحاب الحال بأنهم يستهدفونها ، ويستهدفون تجربة الحزب في حربه ضد الفساد الاقتصادي والسياسي والأخلاقي . فاكتشفت الشرطة أن الفاعل لم يكن سوى زوجها ، الذي نقلته إلى العاصمة ، ورقته من معلم إلى مستشار بديوان الوزير صديقها ، لكن الغيرة والشكوك أكلا قلبه ، ففعل ما فعل . رفعت ضده دعوى طلاق ، وانسلت خلسة إلى باريس رفقة صديقها العلماني الشاب الأنيق الذي يعرف من أين تؤكل أكتاف النساء الميسورات ، أو القادرات على أن يفتحن له أبواب الصفقات . في غفلة من أصدقائها وصديقاتها سقط الخمار والقلاع التي تقيد جسدها المشتعل ، وانطلقت في شوارع باريس تنط مثل طفلة في سن المراهقة .
اذا كان الله تعالى يغفر مثل هذه الذنوب ، فان أصحاب العين التي لا تنام عكس ذلك ، فهم مثل ملائكة الكتف الأيسر التي تدون كل خطأ مهما صغر حجمه ، وضعف تأثيره . لقد منحوها كل ما شاءت من ريع وامتيازات ، مقابل أن تلعب أمام باب منزلها ، لكنها أخلت بقواعد اللعب . فقدموا لحمها على طبق من ذهب لذئاب الاعلام والفايس بوك . في البداية أنكرت ثم اعترفت وسقطت .
ـ المال زينة الحياة الدنيا . أنظر إلى هندامهم وأسنانهم ولحيهم وسحناتهم كيف كانت قبل صعودهم إلى جنة السلطة ؟؟؟
ـ أغلب الناس يكذبون لكنهم لا يجنون أرباحا من وراء ذلك . إنهم مجرد كومبارس في المشهد (الديمقراطي) . لكن الساسة خلقوا لغة تم تصميمها لتجعل الكذب يبدو صادقا ، والقتل محترما ، والزنا مباحا ، والسرقة أمانة .
ـ وقع للناس مع هؤلاء الوافدين الجدد إلى عالم السياسة ، مثلما وقع لذلك الأعرابي الذي كان عنده إبل يرعاها ، ويسهر عليها . وذات يوم أغار مجموعة من اللصوص على هذه الإبل ، وساقوها أمامهم فانتبه الأعرابي وأخذ باللحاق بهم وهو يشتمهم ، ولكنه لم يدرك اللصوص ، وأخذوا الإبل . فلما عاد سأله قومه ماذا فعلت ؟ فقال لهم : أشبعتهم شتما ، وفازوا بالإبل !
مراكش 23 يناير 2019


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى