إسراء غاندي مالك - خيال مآتة..

خيال مآتة

" نيويورك، 1st av_ 59 Street" ٢٠١٧_ السابِعةُ صباحًا:

شظايا زُجاجٍ، حُطامُ سيَّارةٍ، أجسادٌ مُلقاةٌ، بُقعُ دمٍ مُتناثِرةٌ، أنينٌ خافِتٌ، وموتٌ ينظُرُ مِن خارجِ المشهدِ في انتظارِ إشارةٍ واحدةٍ لِلتدخُّلِ.

"مستشفى بريسبيتريان" الثَّامِنةُ صباحًا:

"جهِّزوا غُرفةَ العملياتِ بِسُرعةٍ" قالَها الطَّبيبُ الجرَّاحُ وهو يركُضُ قلِقًا؛ في محاولةِ إنقاذِ جُلنار ووالِديها مِن الحادِثِ المُريعِ الَّذي تعرَّضوا لهُ وهُم في طريقِهم إلىٰ مُستشفى القلبِ.

العاشِرةُ صباحًا:

نحيبٌ وصرخاتٌ، ألمٌ، وأملٌ قد أُغتيلَ على حافَّةِ أحلامِ العائلةِ بأن تترّبى جُلنار في كنفِ والِدتِها، ولكِنَّها قد رحلت باكِرًا، جاعلةً إيَّاها عجيَّةً لم تذُق للحياةِ طعمًا، ولم ترتوِ مِن حنانِ أُمِّها آن قَطُّ، مُضطرَّةً لِأن ترى نِصفَ الصُّورةِ دائمًا، وتعيشَ حياةً مبتورةً بِها فراغٌ كبير.

العام ٢٠١١:

رُغمَ الخطرِ الشَّديدِ على حياةِ السيَّدةِ آن وعلىٰ جنينها، إلَّا أنَّها رفضتْ إجهاضها، وأصرَّت أن تُنجِبها وتجعلها نورًا لها، وقطعةَ سُكَّرٍ تُحلِّي حياتها، لِتُعوِّضها وخذات ألمِ المرض، ومِن بعدها لن يكونَ هُناكَ أبناءٌ لهم؛ فقد منعها الطَّبيبُ مِن الإنجابِ، فَوعدت أن تُكرِّس حياتها لابنتها، وتكون لها الأُمَّ والأخَ والأُختَ، والسَّند وكُلَّ شيءٍ جميلٍ لها.

أيلول_ ٢٠١٧:

جُلنار الوردةُ الصَّغيرةُ ذاتُ السَّبعةِ أعوامٍ، مَن تُشِعُّ البراءةُ واللَّطافةُ مِن عينيها، البِذرةُ الَّتي نبتتْ بعد حُبٍّ دام سنينًا، فَهلَّتْ بالأفراحِ والبُشاراتِ، وجعلتِ البيتَ الصَّغيرَ يتراقصُ فَرِحًا، لكِن كان للقدرِ رأيٌ آخرٌ، وحِكمةٌ أُخرى؛ فأخذَ أمُّها إلىٰ حيثُ اللّا عودةُ، واللَّا تمنِّي، فقط أنتَ وعملُكَ وقبرٌ ضيِّقٌ، تاركةً ابنتها تُقاسي وحشةَ الأيَّامِ، بِلا يدٍ ناعِمةٍ تُربِّتُ علىٰ طُفولتِها، وتسقيها الحُبُّ حتّى تنضجَ، وتُصبِحَ فتاةَ أُمِّها المُدلَّلةَ، الَّتي تهتمُّ وتعتني بِها وتظَّلُّ صغيرتها مهما كبُرت. لِتفتحَ عينيها على الدُّنيا بدونِ وجودِ القندِيلِ الَّذي سيُضيءُ لها الدَّربَ لِتُبصِر جيّدًا وتعرف كيفَ تسيرُ، وبدونِ الأُذنِ المُرهفةِ الَّتي ستُصغي لُكلِّ ما تقولُ؛ تُرَّهاتٍ وأمورٍ عظيمةٍ، وبدونِ صُندوقِ الأسرارِ الآمِن، والنَّاصِحِ المُطمئن، لِيُصبحَ جُزءٌ مِنها مفقودٌ وإلى الأبد.

تشرين الأوَّل_ ٢٠١٧:

في ذلك الحادِثِ ارتطمَ رأسُ الصَّغيرةِ بِقوَّةٍ، فَفقدتْ ذاكِرتها ومُحيَ كُلُّ شيءٍ، فعادتِ الصَّفحاتُ بيضاءَ كأن لم يُخطّ عليها حرفٌ مِن قبلُ.

العام ٢٠١٨:

طوالَ عامٍ كامِلٍ ظلَّ طيفُ آن يُراوِد ابنتها جُلنار نهارًا، فكانت تراها دائمًا، تسمعُ صوتها تُحادِثُها، تجلِسُ قُربها، وتسيرُ معها أحيانًا، فكأنَّ فِراق ابنتها لم يهُن عليها، فعادت لِترعاها وتغدق عليها مِن الحُبِّ الكثير. وشيئًا فَشيئًا بدأت تتذكَّرُ أُمَّها، ولحظاتها القريبة معها، فَلاحظَ والِدها أمرًا غريبًا، فَسألها وأخبرتهُ أنَّ هُناكَ امرأةٌ تجلس عند تلك الزَّاوية، وعندما نظر إلى حيث تُشير لم يرَ أحدًا، فعرف أنَّ هُناك خطبٌ ما، فَتكرَّرت هـٰذهِ الحادِثةُ عِدَّةَ مرَّاتٍ ممَّا أثارَ خوفَ أبيها، فأخذها للمشفى، فاتَّضح أنَّها مصابةٌ بِالهلوسةِ نتيجةَ ذلك الحادِثِ قبل سنة، لِذلك ترى وتسمعُ أشياء ليست موجودةً، ومِن تِلكَ اللَّحظةِ أخذتِ العلاج، وبعد عِدّةِ سنواتٍ كانت ثقيلةً علىٰ والِدها عادت تلك الوردةُ اليانعةُ، وفرحةُ البيتِ، والجزءُ الرَّائع الَّذي تركته أُمُّها قبلَ أن ترحل.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى