محمد عارف مشّة - من الذكريات.. (2)

( 2 )

لمّا كان الماء من أهم ضروريات الحياة ، وكانت ظروف الحصول على الماء في قرية ( الحيمة ) ظروفا استثنائية ، من الصعب الحصول على نوعين من المياه ، لأسرة تعيش حديثا ، لم تتعود قسوة الحياة لهذا الحد ، فقد بحثتُ في كيفية شراء سيارة الـ ( البك آب ) ، للحصول من خلاله على الماء ، فوقف عائقا عدم توفر المبلغ المالي لشراء أي نوع من السيارات مهما كان ثمنها بخسا ، إضافة إلى ضرورة توفير ( قربة ) الماء ، لنقل المياه بها من البئر المجاني الوحيد في القرية .

اقترح صديق أردني ، كان يرافق أختيه المعلمتين في القرية ، بشراء سيارة الـ ( بك آب ) من الأخوة السودانيين ، الذين تمّ تهجيرهم إلى السودان ، بسبب عدم حصولهم على إذن الإقامة ، ومصادرة سياراتهم ، أو توكيل أحد الأشخاص المقيمين ببيع سياراتهم ، الملقاة بالشوارع ولا تعمل .

بحث الصديق الأردني عن سيارة ( بكب آب ) ، لسوداني تمّ تهجيره ، وتمّت المفاصلة والمقايضة ، إلى أن وصل سعر ( البك آب ) ، وهو غير صالح وبحاجة لبعض التصليحات ، على مبلغ ثلاثمائة ريال سعودي ، أي ما يعادل ثلاثين دينارا أردنيا في وقته . فقد كان بلا أبواب ، وبلا إضاءة ، وبلا كرسي للقيادة . فقمت بربط الأبواب ، ووضعت حجري بناء فوقهما قاعدة الكرسي ، وقمت بتغيير الزيت ، بزيت محروق ، ومن الطرائف أني حاولت ذات يوم بوضع زيت جديد بدل المحروق ، وقت تغيير الزيت ، فتعطلت السيارة ، مما اضطرني لإعادة تعبئة الزيت المحروق ، فاشتغلت السيارة . وصرت برجوازيا من أصحاب السيارات ، بثلاثين دينارا أردنيا ، أذهب به إلى المدرسة ، وشراء الخبز ، وتبادل الزيارات مع المعلمين وأسرهم ، وتبادل الحوارات والنقاشات الثقافية ، حيث كان الرجل في مجلس ، والنساء في مجلس آخر . والأهم من هذا كله ، إمكانية الحصول على المياه المالحة بسهولة ويسر ، أما الحصول على الماء العذب ، فقد ظلت مشكلة قائمة .

( يتبع )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى